استوقفنـــي أحـــد المواطنيــــن يوم أمس في أحد المجمعات، وبعـــد «موال» طويل عن الوضع السياســي و«التحلطـــم» على ما يحصل، تطرق للوضع المعيشي للنــاس ومستـــوى الخدمـــــات، وكانت أهم النقاط التي أثارها هي فواتير الكهرباء المتأخرة، ومن ضمن الملاحظات ملاحظة على المسؤول الذي تحدث عن المسألة في برنامج «كلمة أخيرة» للزميلة الأستاذة سوسن الشاعر، حيث توجس المواطن من اللهجة المستخدمة وكأنها تهديد للناس بقطع التيار الكهربائي عنهم إن لم يدفعوا متأخراتهم.في هذا الشأن يمكن القول بأنه حينما يتم التأسيس لحالات من الاستثناءات أو الإعفاءات في فترة زمنية معينة، فإنك تدخل نفسك أصلاً في دوامة لا تنتهي، فقبل أي قرار يتخذ يجب التفكير بجميع الأطراف، يجب الوضع في الاعتبار مسألة المساواة. والمشكلة أيضاً أنك حينما تعفي أناساً فإنك تدفع الآخرين للتهاون بالأخص من كانوا ملتزمين بالدفع وذلك بانتظار مكرمة أخرى تطالهم في نفس السياق.المشكلة هنا بأن الفواتير تتراكم على الناس، ووسط ترقب بأن يتم إعفاؤهم عنها يتم التلويح باتخاذ إجراءات لازمة يراها الناس صارمة، لأنهم يقارنون الحالات ويجدون أن هناك تطبيقاً على فئات ومناطق بينما مناطق وفئات لا يطالها نفس الإجراء. هناك جهات تجارية سواء فنادق ومحال ومجمعات لها معاملات خاصة -حسب مفهوم الناس وما يثار في أوساطهم- وهناك تعامل صارم لا يقبل القسمة على اثنين بحق البعض.بعيداً عن الجدل، نقول هنا بأن الدولة عليها وضع حد ونهاية لهذا الموضوع. عليها أن تحدد المسار الذي تتجه له المسألة.أولاً على الدولة أن تحدد ما إذا كانت خدمة توفير الكهرباء والماء ستوفر كخدمة مجانية للمواطن أو لا. وطبعاً هذه الفرضية مستحيلة التحقق في ظل أوضاع الميزانية والغلاء وغيرها، ما يعني أن المواطن البحريني عليه أن يدفع ويدفع، بل ويضع يده على قلبه متوقعاً يوماً ما أن تفرض عليه ضرائب تضاف إلى ضريبة الواحد بالمائة التي اقتطعت دون وجه حق منه لصندوق التعطل.ثانياً، إن كانت الدولة ستمضي في تحصيل مقابل خدمة توفير الكهرباء والماء، فإن مسألة الفواتير العالقة يجب أن تحسم. وللحسم هنا لا يجب إعفاء أي شركة أو محل أو فندق أو أي جهة ربحية، بل على العكس هذه الجهات يجب أن تدفع للدولة نظير الخدمة. في جانب آخر وبالنسبة للمواطنين فإن هناك خيار تصفير جميع الحسابات والبدء من جديد، وهذه الخطوة فيها قيل وقال.الجدل بشأن مسألة الإعفاء يتعلق بحجم المبالغ والمساواة بين الناس. إذ من حق الملتزم بالدفع شهرياً أن يحتج إن تم تفضيل من لا يدفع عليه عبر إعفائه من المبالغ. هنا نحن لا نساوي بين الجميع، بل نظلم الملتزم بالنظام والقانون.وعليه إن كانت الفكرة بإلغاء فواتير المتأخرين (وهو ما نقترحه هنا على الدولة كمبادرة ومساعدة للناس)، فإن الملتزمين يجب أن يكافؤوا، ولعل أفضل طريقة للمكافأة منحهم رصيد مالي في حساباتهم للاستخدام، أي منحهم «كريدت» يتم استقطاعه حتى ينتهي ثم يبدؤون بتسديد الفواتير حالهم حال من يتم إلغاؤها عنهم، وهنا يجب تمييز الملتزم عن غيره، أقلها هذا تمييز إيجابي.طيب، كيف تحتسب نسبة «الكريدت»، باعتبار أن هذه قد تكون مشكلة تمنع حتى التفكير في هذه الخطوة؟!يمكن بسهولة حساب المبلغ المستحق للفواتير المتأخرة، وتقسيم المبلغ في جانب آخر على عدد الملتزمين بالدفع لنحصل على متوسط لكل شخص، وبناء عليه يمنح الرصيد في حسابه. وهنا ندرك تماماً بأن الحسبة أيضاً لن تكون عادلة بنسبة كاملة، لكن أقلها هي كرصيد مكافأة على الالتزام.الآن، نضع اليد على المشكلة الأكبر والمعنية بالمبلغ الذي يجب أن تضخه الدولة لسداد هذه المتأخرات! طبعاً في حال قررت الدولة إلغاء الفواتير المتأخرة. وقد لا يحصل ذلك أبداً، إذ هنا نطرح مجرد فكرة. المبلغ المفترض سداده يمكن توفيره من خلال -مثلاً- وقف بعض الفعاليات «غير الضرورية»، الفعاليات الموجهة للنخب أو طبقة «الهاي كلاس»، أو التوفير في بعض مشاريع الدولة الكمالية لا الضرورية، أو اعتماد مبلغ إضافي من «الدعم الخليجي» على الأقل. وإن أسقط في اليد فإن أضعف الإيمان كما اقترح ذات مرة النائب شمطوط: «بيعوا أرضاً تابعة للدولة وسددوا المبلغ!».الخلاصة في الموضوع، مشكلة مثل هذه لا يجب أن تعجز الدولة عنها. أقل القليل أن تتم مساعدة الناس، لكن دون تفضيل لأحد على أحد أو التلويح بأسلوب «يا ويلك من سواد ليلك» إن لم تدفع.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90