البيان الذي تمت تلاوته خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته «القوى الوطنية المعارضة»، وذلك يوم السبت الماضي بمقر جمعية الوفاق وتناول موضوعات الحوار ومعالجة الأحداث والانتخابات النيابية وغيرها، هذا البيان أكد نبذ هذه القوى للعنف، وجاء فيه أن «نبذ العنف لازال هو النهج الذي سارت عليه هذه القوى وهو الطريق الأصوب والأصلح لانتزاع حقوق الشعب».
كلام جميل يدفعنا تلقائياً إلى البحث عن تفسير للعنف الممارس في الشارع منذ ثلاث سنوات ونيف. فإذا كانت «قوى المعارضة» تنبذ العنف وتقف ضده وتقول إنها لا تمارسه؛ فمن الذي يمارسه إذاً؟
هناك عنف يمارس في الساحة، الحكومة تحاربه وتسعى لوضع حد له، و»قوى المعارضة» تقول إنها لا تمارسه وتنبذه وتقف ضده ولا تقبل به، فمن إذاً الذي يمارس كل هذا العنف الذي يستوجب وضع حد له، والذي يذهب ضحيته شباب في مقتبل الحياة؟
هذا السؤال يقود إلى الإشارة إلى مصطلح آخر صار يتردد في الساحة أيضاً هو «القوى الثورية»، فمن هي هذه القوى الثورية؟ وما الفرق بينها وبين «قوى المعارضة»؟
بناء على بيان «قوى المعارضة» المشار إليه هنا يوجد فريقان من المعارضة؛ قوى وطنية معارضة وقوى ثورية، وبما أن قوى المعارضة (الوفاق ومن معها من جمعيات سياسية) تنبذ العنف وتسير على هذا النهج وترى أنه الطريق الأصوب والأصلح «لانتزاع حقوق الشعب» فهذا يعني أن من يمارس العنف هي «القوى الثورية»، أي الجزء الآخر من «المعارضة» التي لا تعترف بأحد ويشمل ذلك «القوى الوطنية».
الآن، طالما أن القوى الوطنية تنبذ العنف وتقف ضده وتعتبر هذا النهج هو الأصوب، وطالما أنه واضح أن من يمارس العنف الذي يتمثل في أشكال عديدة يراها الناس ويلمسونها لمساً هي القوى «الثورية»؛ فلماذا لا تقف القوى الوطنية في وجه القوى الثورية وتطالبها بالكف عن هذا الذي تمارسه ويعرض حياة الجميع للخطر ويسيء إليها كمعارضة ويسيء إلى الوطن؟
مثل هذا الوضع لا يكفيه نبذ العنف والقول إن القوى الوطنية تقف ضده، ولكنه يحتاج إلى فعل تمارسه هذه القوى وتسعى من خلاله إلى وضع حد لهذه الممارسات التي تقوم بها القوى الثورية.
استمرار القوى «الثورية» في نهجها هذا نتيجته المنطقية فشل كل حوار وكل مبادرة وتعطل كل حل سياسي، هذه حقيقة ينبغي أن تضعها القوى الوطنية في اعتبارها. القوى الوطنية لا تستطيع أن تمنع القوى الثورية من هذا النهج بالبيانات، وسكوتها عنها يجعل الحكومة لا تثق فيها ولا في أقوالها، لأن الحكومة تريد منها مواقف عملية، لذا فإنها تعتبرها والقوى الثورية مكملين لبعضهما البعض وأنهما وجهان لعملة واحدة. هذا يعني أنه إذا أرادت القوى الوطنية (الجمعيات السياسية) التأكيد على أنها تقف ضد العنف وأنها تختار الحوار سبيلاً للخروج من هذه الأزمة، فإن عليها أن تتخذ موقفاً واضحاً من القوى الثورية. هذا الموقف لا يكون بالكلام؛ ولكن بالعمل على منعها من ممارسة العنف وجعلها تتوقف عن كل ممارسة تسيء إلى الحلول السلمية.
ما تقوم به القوى الثورية ونراه في الشارع لا علاقة له بالسلمية، لأن استخدام الحجارة والمولوتوف، الذي يمكن أن يفضي إلى الموت، ومهاجمة مراكز ونقاط الأمن لا علاقة لها بالسلمية، ولأن اختطاف الشوارع والدخول في مواجهات مع رجال الأمن في ختام كل مسيرة مرخصة أو غير مرخصة لا علاقة له بالسلمية.
إن كانت «القوى الوطنية» واثقة من أنها تنبذ العنف وتقف ضد كل ممارسة عنيفة فعليها أن تبعد نفسها عما يسمى «القوى الثورية»، وأن تتخذ منها موقفا عملياً واضحاً.