انتهت مرحلة الفوضى الخلاقة التي ظهرت علنـــاً في ديسمبـــر 2010، وبــدأت اليـوم مرحلة تقسيم الشرق الأوسط.
رغم أن الفوضى الخلاقة غير معروفة نتائجها ولا إطارها الزمني، إلا أنها بلا شك انتهت باستقرار الفوضى حتى عمت المنطقة، وصارت الفوضى عارمة.
ما يميز مرحلة ما بعد استقرار الفوضى أن جهود تقسيم المنطقة التي توصف دائماً بأنها مؤامرة غربية تحولت الاتهامات فيها من المؤامرة الغربية إلى مطلب شعبي!
فعلى سبيل المثال؛ كان الاعتقاد سائداً بأن هناك مؤامرة غربية تسعى لتفتيت الدولة الليبية بعد الثورة، ولكن هذا المطلب صار موجوداً اليوم لدى جماعات وفئات من الليبيين أنفسهم، ويتزامن ذلك مع موجة من العنف الحاد.
ننتقل إلى العراق، حيث تمر بعد شهرين من الآن الذكرى الحادية عشرة على سقوط النظام السابق، قبل نحو عقد كانت هواجس العراقيين تكمن في رغبة المحتل الأمريكي تقسيم الدولة العراقية.
اليوم غابت مثل هذه الهواجس وصارت لدى بعض المكونات العراقية هذه الرغبة لعدة أسباب أبرزها رفض النفوذ الإيراني الهائل في بغداد، وقناعتهم باستبداد الحكومــة الحاليـــة، ومساعيهــا لتهميش بعض مكونات الدولة.
النتيجة هي تنامي نزعة عربية نحو تأييد التقسيم والانفصال الداخلي، وهي ليست نزعة مفتعلة غربياً، وإنما صارت مصنوعة عربياً وبإيمان عربي خالص لدى من تعرض للتهميش أو بات معتقداً أن التقسيم خيار أفضل لثروة أفضل وحياة أفضل.
هذه المؤشرات تعلمنا في هذه المرحلة التاريخيــة كيــف تحــول العــرب ليكونــوا أصحاب نزعات انقسامية بخلاف ما كانوا عليه في عقود الخمسينات والستينات من القرن العشرين أصحاب نزعات وحدوية.
تقسيم الدول العربية وتفتيتها من قبل العرب وليس الغرب سيكون أسهل وأسرع، والأهم من ذلك أنه أخطر لأن الجهود ستكون عربية خالصة، وستصاحبها موجات من العنف قد تتجاوز الأعمال الإرهابية لتكون حرباً أهلية في أصعب الحالات.
ومخاوف انتقالها لن تكون سريعة، فما يجري في الدول العربية التي تتصاعـــد فيها النزعات الانفصالية تعطي حصانة مضادة للدول العربية التي ليس فيها مثل هذه النزعات، وتدفع مواطنيها ومجتمعها المدني إلى التفكير جدياً بمخاطر هذه النزعات متى ظهرت في دول الجوار. ولكن إلى أي مدى من الممكن أن يصمد المجتمع من تأثيرات دول الجوار، ومواجهة المد الانفصالي فإنه غير معروف وغير مختبر حتى الآن.