حينما نتحدث بالأرقام نقول بأنه طوال تسعة أعوام ماضية صدرت تسعة تقارير للرقابة المالية والإدارية فيها رصد لتجاوزات وهدر لمبالغ لو جئنا لحصرها في رقم واحد لفاقت الملايين، لكن طبعاً لا نملك رقماً محدداً صريحاً.
تسعة أعوام وتسعة تقارير ولم يتم حجب الثقة عن وزير واحد ولا محاسبة «معلنة» لمسؤول كبير أو متنفذ أو هادر للمال العام، وكل هذه الأرقام تبرر لوجود حالة من الاستياء والإحباط وحتى انعدام الثقة لدى المواطن، والأسباب كثيرة لكن الرئيسة منها تبين بأن الإجراءات التي يفترض أن تتم لمحاربة الظاهرة ومعالجتها كانت شبه معدومة، أي برقم هي أقل من الصفر.
عموماً الآن دخلنا عاماً عاشراً على تقارير الرقابة ولدينا التقرير العاشر الأضخم حجماً رغم أن ما يقال بأن تقرير 2009 كان المتضمن لأكثر الأموال هدراً، وطوال تسعة أعوام كنا نراوح مكاننا بين انتقاد النواب لعدم تحركهم بجدية وبين مطالبة الدولة بأن تتخذ إجراءات صريحة ومباشرة بحق المخالفين، وفي العامين الأخيرين شهدنا لعبة «تنس طاولة» بين النواب وديوان الرقابة، الجهة الأولى تحاول أن تبرر لـ«سلبيتها» بشأن التقارير التسعة بإلقاء اللوم على الديوان وأنه يمتلك الصلاحية في الإحالة للنيابة العامة رغم أن هذا يعني «تخلي» النواب عن حقهم الأصيل في المحاسبة الفعلية، والجهة الثانية أي الديوان وكأني به يقول امنحوني محكمة خاصة بي وأطلقوا يدي لأقوم بالإجراء المطلوب.
اليوم نشهد تحركاً جديداً من قبل الحكومة، ولعلها استجابة لمطالب الناس وما تعبت الصحافة وهي تكتب فيه. في مطلع ديسمبر شكل سمو رئيس الوزراء اللجنة التنسيقية برئاسة نائبه الأول سمو ولي العهد، وعلى امتداد شهر كامل لمسنا وجود حراك جدي في هذا الشأن رغم أن ردات فعل الناس مازالت تطالب بخطوات أكبر وبوتيرة متسارعة، لكن المتتبع بدقة لما يحصل يكتشف بأن الجدية موجودة، وأن المسألة بدأت بتفعيل أداة لم تكن مفعلة في السابق بشأن الرد على المخالفات وإيصالها للحكومة وذلك عبر تحديد سقف زمني تلتزم به الوزارات والقطاعات وإلا لكان الإعلان عن الجهات المتهاونة على الملأ وبكل صراحة، وهذا توجه محمود ويشكر عليه القائمون على اللجنة في مقدمتهم سمو ولي العهد.
هناك حراك ملموس، وهناك إحالات للنيابة وعلى إثرها وصلت للمحاكم، والعجلة تدور بشأن مخالفات أخرى وقضايا متعددة كلها يفترض أن تعيد الثقة للمواطن بأن هناك بالفعل توجهاً جدياً للمحاسبة والتغيير باتجاه الأفضل.
نعم، ندرك تماماً بأن المواطن يتحدث بحرقة وأنه يريد الأفضل لبلده ووطنه ويرى في المال العام خطاً أحمر لا يجب الاستهتار والتلاعب فيه، وعليه فإن الجهود اليوم يجب أن تنصب على إعادة الثقة، والأخيرة لن تتأتى إلا عبر نتائج يمكن للمواطن أن يحس بها ويراها تتحقق وتضع حداً للاستهتار والتجاوزات، والأهم تبدأ معها المحاسبة للجميع بلا استثناء وبغض النظر عن المناصب والأسماء، وهذا ما تمضي للتأكيد عليه تحركات اللجنة المعنية.
لكن في اتجاه مواز، لا يكفي أبداً أن تتحرك الدولة ولو بعد حين، يجب أن تزيد قوة الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وهنا نعود للحديث عن دور السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب الذي انتخبه الناس ومنحوه الثقة والصلاحية ليتحدث باسمهم، بالتالي على المجلس أن يتحرك أيضاً في نفس الاتجاه، باعتبار أنها فرصة بوجود تحرك للحكومة، وفي جانب ثالث هي دعوة لتقوية دور ديوان الرقابة المالية ليمنح صلاحيات أكبر تخوله اتخاذ إجراءات مباشرة مثلما يطالب به بعض النواب، ما يعني أن لدينا ثلاث جهات تعمل في اتجاه واحد ومن أجل هدف واحد وهو الحد من ظاهرة الاستهتار الإداري وتقليل التجاوزات والضرب بقوة على أي شبهة فساد ومسببيها.
لو تكاتفت الجهود في ظل وجود نية صادقة لوضع حد لأي مشكلة بالتأكيد سنصل لنتيجة ترضي الجميع، وبالتأكيد سنخلص لنتائج تعيد للمواطن الثقة وتزرع فيه الأمل من جديد بأن الإصلاح هو الشعار الأول والأقوى في هذا البلد، وإن شابته في فترات «غيوم ضبابية» بسبب التساهل وتعطل الإجراءات إلا أنه في النهاية هو الذي سيسود.
أخيراً نقول، «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً».
{{ article.visit_count }}
تسعة أعوام وتسعة تقارير ولم يتم حجب الثقة عن وزير واحد ولا محاسبة «معلنة» لمسؤول كبير أو متنفذ أو هادر للمال العام، وكل هذه الأرقام تبرر لوجود حالة من الاستياء والإحباط وحتى انعدام الثقة لدى المواطن، والأسباب كثيرة لكن الرئيسة منها تبين بأن الإجراءات التي يفترض أن تتم لمحاربة الظاهرة ومعالجتها كانت شبه معدومة، أي برقم هي أقل من الصفر.
عموماً الآن دخلنا عاماً عاشراً على تقارير الرقابة ولدينا التقرير العاشر الأضخم حجماً رغم أن ما يقال بأن تقرير 2009 كان المتضمن لأكثر الأموال هدراً، وطوال تسعة أعوام كنا نراوح مكاننا بين انتقاد النواب لعدم تحركهم بجدية وبين مطالبة الدولة بأن تتخذ إجراءات صريحة ومباشرة بحق المخالفين، وفي العامين الأخيرين شهدنا لعبة «تنس طاولة» بين النواب وديوان الرقابة، الجهة الأولى تحاول أن تبرر لـ«سلبيتها» بشأن التقارير التسعة بإلقاء اللوم على الديوان وأنه يمتلك الصلاحية في الإحالة للنيابة العامة رغم أن هذا يعني «تخلي» النواب عن حقهم الأصيل في المحاسبة الفعلية، والجهة الثانية أي الديوان وكأني به يقول امنحوني محكمة خاصة بي وأطلقوا يدي لأقوم بالإجراء المطلوب.
اليوم نشهد تحركاً جديداً من قبل الحكومة، ولعلها استجابة لمطالب الناس وما تعبت الصحافة وهي تكتب فيه. في مطلع ديسمبر شكل سمو رئيس الوزراء اللجنة التنسيقية برئاسة نائبه الأول سمو ولي العهد، وعلى امتداد شهر كامل لمسنا وجود حراك جدي في هذا الشأن رغم أن ردات فعل الناس مازالت تطالب بخطوات أكبر وبوتيرة متسارعة، لكن المتتبع بدقة لما يحصل يكتشف بأن الجدية موجودة، وأن المسألة بدأت بتفعيل أداة لم تكن مفعلة في السابق بشأن الرد على المخالفات وإيصالها للحكومة وذلك عبر تحديد سقف زمني تلتزم به الوزارات والقطاعات وإلا لكان الإعلان عن الجهات المتهاونة على الملأ وبكل صراحة، وهذا توجه محمود ويشكر عليه القائمون على اللجنة في مقدمتهم سمو ولي العهد.
هناك حراك ملموس، وهناك إحالات للنيابة وعلى إثرها وصلت للمحاكم، والعجلة تدور بشأن مخالفات أخرى وقضايا متعددة كلها يفترض أن تعيد الثقة للمواطن بأن هناك بالفعل توجهاً جدياً للمحاسبة والتغيير باتجاه الأفضل.
نعم، ندرك تماماً بأن المواطن يتحدث بحرقة وأنه يريد الأفضل لبلده ووطنه ويرى في المال العام خطاً أحمر لا يجب الاستهتار والتلاعب فيه، وعليه فإن الجهود اليوم يجب أن تنصب على إعادة الثقة، والأخيرة لن تتأتى إلا عبر نتائج يمكن للمواطن أن يحس بها ويراها تتحقق وتضع حداً للاستهتار والتجاوزات، والأهم تبدأ معها المحاسبة للجميع بلا استثناء وبغض النظر عن المناصب والأسماء، وهذا ما تمضي للتأكيد عليه تحركات اللجنة المعنية.
لكن في اتجاه مواز، لا يكفي أبداً أن تتحرك الدولة ولو بعد حين، يجب أن تزيد قوة الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وهنا نعود للحديث عن دور السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب الذي انتخبه الناس ومنحوه الثقة والصلاحية ليتحدث باسمهم، بالتالي على المجلس أن يتحرك أيضاً في نفس الاتجاه، باعتبار أنها فرصة بوجود تحرك للحكومة، وفي جانب ثالث هي دعوة لتقوية دور ديوان الرقابة المالية ليمنح صلاحيات أكبر تخوله اتخاذ إجراءات مباشرة مثلما يطالب به بعض النواب، ما يعني أن لدينا ثلاث جهات تعمل في اتجاه واحد ومن أجل هدف واحد وهو الحد من ظاهرة الاستهتار الإداري وتقليل التجاوزات والضرب بقوة على أي شبهة فساد ومسببيها.
لو تكاتفت الجهود في ظل وجود نية صادقة لوضع حد لأي مشكلة بالتأكيد سنصل لنتيجة ترضي الجميع، وبالتأكيد سنخلص لنتائج تعيد للمواطن الثقة وتزرع فيه الأمل من جديد بأن الإصلاح هو الشعار الأول والأقوى في هذا البلد، وإن شابته في فترات «غيوم ضبابية» بسبب التساهل وتعطل الإجراءات إلا أنه في النهاية هو الذي سيسود.
أخيراً نقول، «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً».