غالبية الجماعات المسلحة في الوطن العربي، حتى هذه اللحظة، لم توجه رصاصة واحدة إلى قلب تل أبيب، وهذه رسالة واضحة المعالم بأن ما يجري من فوضى في أوطاننا العربية جراء تلك المجاميع الشبابية المسلحة هي صناعة إسرائيلية بامتياز.
مع الأسف الشديد، ها نحن نشاهد بأم أعيننا كيف يتدفق ويتنقل شباب الوطن العربي بكل أريحية من وطن عربي إلى وطن آخر، ومن حدود إلى حدود، حتى من دون فرض قيود أمنية على تحركاته، وكأن هنالك مباركة من طرف بعض الحكومات العربية والأجنبية لزج شبابنا العربي في معارك لا تعنيه، أو أن هنالك جهات مشبوهة وعميلة دفعت بشبابنا نحو الجهاد في المعركة «الغلط» وفي الدولة «الغلط» وفي الزمان «الغلط»، أما إسرائيل فإنها ومنذ 67 تعيش في أمن وأمان.
أليس في هذا الأمر الكثير من الغرابة حتى أصبح يبعث على الريبة والشبهة؟ وأن وراء كل ما يحصل من تفتيت للواقع العربي مؤامرة صهيونية غربية؟ والسؤال الأهم؛ أين موقف وموقع تلكم الجماعات المسلحة مما يجري لإخواننا في فلسطين؟ وكم من المساعدات قدموها للفلسطينيين غير «الدواشق والمخدات» طيلة مراحل جهادهم؟
ليس هنالك وقت للمجاملة، فعلى الحكومات العربية أن تمنع شبابنا من الزحف لمعارك أجنبية طاحنة ليس لهم فيها ناقة أو جمل، تحت مسميات الجهاد، وعليها أن تكون أكثر صرامة في مراقبة خروجهم ودخولهم عبر الحدود، وعليها لو أرادت أن تعيش في واقع مستقر أن تجفف منابع الإرهاب وتعاقب المحرضين عليه والداعين له، خصوصاً الوعاظ الذين يدفعون شبابنا العربي للجهاد في سبيل الله، بينما أولادهم يدرسون في بلاد الغرب، وعند المساء يعربدون في الملاهي الليلية في أحضان الغانيات، في جهاد من نوع آخر!
يبدو أن الهدف الرئيس من زج شبابنا العربي في تلكم المعارك الجهادية القاسية، وتسليحهم بكل أدوات الموت هو من أجل ضرب الجيوش العربية وتفتيتها تفتيتاً كاملاً، في سبيل إشغالها عن أية معركة محتملة ضد العدو الحقيقي، كما إنها فرصة لا تتكرر للعبث واستهلاك مقدرات الدول العربية في معارك وهمية بين جيوشها وشبابها تحت مسمى الجهاد والنضال.
اليوم تتحمل الأنظمة العربية جزءاً كبيراً من المسؤولية حيال خلق مثل هذه المجاميع الشبابية الجهادية، كما للمنابر والكتب والمنشورات ورجال الدين ودور العبادة، الدور البارز في صناعة شباب يكره العلم والحياة ويعشق الموت في الطريق الخطأ، وبهذا فهم لم ينالوا من دنياهم شيئاً، ولن يحصلوا في أخراهم على أي شيء، وبهذا يكون مصيرهم كما وصفهم القرآن الكريم بقوله «خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين».