سعدت كثيراً عندما رأيت الدكتور إبراهيم جناحي رئيس جامعة البحرين من بين أعضاء الوفد الذي رافق جلالة الملك في زيارة الهند، وسعدت أكثر عندما وجدته يوقع على مذكرة تفاهم بين جامعة البحرين وجامعة بانديت دينادايل الهندية حول تعاون الجامعتين في إعداد بحوث في مجالات الاقتصاد والطاقة، إضافة إلى تبادل الخبرات في شؤون التعليم العالي.
ومنبع السعادة هو إدراك الجامعة المتأخر لدورها المجتمعي، وهو الدور الذي يقع في أعلى سلم الأولويات بالنسبة للجامعات العريقة في العالم، والمتميزة في مكانتها وعطائها، وفي خدمتها لمجتمعها في الداخل والكثير من المجتمعات الأخرى في العالم.
فالجامعات المرموقة ليست هي التي تخرج أو ينتمي لها أعداد كثيرة من الأساتذة الذين يحملون شهادات الماجستير والدكتوراه، وليست هي التي تحصر عطاءات وإبداعات هؤلاء الأساتذة في إعداد الأبحاث والدراسات الأكاديمية، والتي تنحصر فوائدها داخل الجامعات أو في إطار المؤسسات التعليمية، وإنما تلك الجامعات التي تنتشر تحليلاتها ورؤاها خارج أسوارها لتغطي فضاءات المجتمع الواسعة، ولتتخطاها إلى دول المحيط وما أبعد من ذلك.
وجامعة البحرين هي واحدة من الجامعات التي عملت على الانغلاق على نفسها، وعدم الانخراط في معالجة قضايا المجتمع بالبحث والدراسة والمحاضرة، وتقديم إبداعاتها في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، باعتبارها منارة توزع أضواءها الساطعة في جميع النواحي، وتؤكد على التزاوج بين حرية الرأي وحرية الإبداع وعلاقتهما الوثيقة بزيادة الطلب على الأبحاث واتخاذ الجهات المجتمعية المختلفة في المجتمع من هذه الأبحاث وسيلة ضرورية للتخطيط والتطوير والإنتاجية.
وما فعله رئيس الجامعة بتوقيعه على مذكرة التفاهم مع جامعة بانديت الهندية مؤشر على أننا سنرى مستقبلاً جامعة البحرين في توجه مختلف، ونظرة مغايرة لدورها المجتمعي، وإسهامات بحثية جديدة في قضايا التنمية ومتطلباتها، جامعة تسير على درب الجامعات التي عرفت في بلدانها مراكز أبحاث يلجأ إليها الوزراء والسياسيون عندما يتولون الوزارة حيث يكلفونها بوضع الدراسات اللازمة لمعالجة القضايا التي ورثها الوزير، أو أنه يريد أن يبادر إلى معالجتها، أو يرى أن وزارته ليست معنية فقط بمتابعة الأعمال اليومية، وإتباعها بالتصريحات التي تكذب كل انتقادات الآخرين، وتؤكد صحة وسلامة توجهات وأقوال الوزير والمسؤولين في وزارته، وإنما هي وزارة تعترف بالأخطاء والنواقص، والحاجة إلى المعالجة الجذرية والشاملة للمشكلات التي يعاني منها الناس، وهي المعالجة التي تقوم على الدراسة ووضع الخطط، والحلول الآنية والمستقبلية، هذه الأبحاث التي يعدها مركز الدراسات والبحوث بالجامعة، أو يعدها أساتذة متخصصون بها.
وجامعة يلجأ إليها المسؤولون في الوزارات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، والموارد البشرية، والإدارية، والتجارية والتكنولوجية وأبحاث الطاقة وغيرها الكثير مما تحتاجه الدولة، ويحتاجه المجتمع لتشخيص مشكلاته وتبيان مواضع العجر والضعف فيها، ومن ثم نشدان الإصلاح والتطوير والارتقاء بها إلى ما هو أفضل، وما يلبي تطلعات المواطنين في جوانب معينة، والمستهلكين في جوانب ومجالات أخرى.
أبحاث الجامعات تتسم بالحرية والواقعية والتوازن، وتشير إلى الجوانب السلبية والإيجابية، وتنطلق من دوافع وأهداف وطنية، أي أنها تضع نصب عينها مصلحة الوطن ومصلحة المجموع، ولا تهتم بإرضاء المسؤول الذي كلفها بإجراء البحث، ومن ثم تزويده بالنتائج التي تغني على ليلاه وتشبع رغباته وتغرقه بالنتائج الإيجابية والمفعمة بالإشراق.
فالأخيرة هي مهمة مراكز الأبحاث الأجنبية التي غالباً ما يلجأ إليها المسؤولون عندنا، ويحضر من يمثلهم إلى البحرين، ليجمع المعلومات من المصادر البحرينية، ثم يعود مرة أخرى بعد أن قام بخياطتها حسب مقاس ذلك المسؤول والألوان والزركشة التي يرغبها ويقبض الثمن بالملايين.
ما نأمله أن تنطلق جامعة البحرين بشكل مختلف عن مراكز الأبحاث الأجنبية هذه، وأن تغطي احتياجات المجتمع بالأبحاث العلمية الهادفة لخدمة التنمية قبل أي شيء آخر، تماماً كما تفعل الجامعات ومراكز الأبحاث الهندية.