ثمة وضع غير طبيعي تعيشه البلاد، ويعيشه المواطن البحريني في الوقت نفسه يتمثل في تناقض أو تضارب بين زيادة المبالغ المخصصة لدعم السلع الغدائية والوقود من ناحية، والزيادة المضطردة في معدل التضخم وأسعار السلع بصفة عامة بما فيها بعض المواد المدعومة مثل منتجات الطحين.
من ناحية ارتفاع مبالغ الدعم نجد أنه وسط الضجة التي أثيرت حوله مؤخراً تبين أن الدولة تدعم سنوياً الغاز بمبلغ 610.1 مليون دينار، النفط ومشتقاته 268.3 مليون دينار، الكهرباء 350 مليون دينار، اللحوم الحمراء 50.6 مليون دينار، الطحين 13.6 مليون دينار، اللحوم البيضاء 2.8 مليون دينار، وأن مجموع هذا الدعم هو مليار 295 مليون و 400 ألف دينار.
والسؤال الذي ظل يتردد طوال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل هو هل يذهب هذا المبلغ الكبير، والذي يساوي حوالي 40% من مجموع المصروفات المتكررة في ميزانية هذا العام 2014 المقدرة بمبلغ 3 مليارات و 13 مليون و214 ألف دينار، هل يذهب لتخفيف غلاء الأسعار ومساعدة المواطن على تحسين مستوى معيشته، وبالتالي مستوى ادخاره، أم أن هذا الدعم وبهذا الحجم يؤدي الى المزيد من الاستغلال من قبل جهات كثيرة ومن الإهدار والتبديد والتلاعب من جانب آخر.
في البداية لابد أن نشير إلى أن مبالغ الدعم هذه ترتفع بين العام والآخر بمقدار الملايين، ما عدا الطحين والدجاج اللذين يشكل الدعم الفرق بين التكلفة وسعر البيع المحدد، ولذلك نجده شبه ثابت بالنسبة لهاتين السلعتين، في حين نجد أن أكثرية المستفيدين من دعم هاتين السلعتين هي جهات غير مستحقة، بل إنها تستفيد من أسعار الطحين والدجاج المدعومين في تحقيق ربح غير مشروع، وأعني بالتحديد هنا المخابز الإفرنجية أو الميكانيكية، التي تبيع الخبز بأكثر من ثلاثة أضعاف سعره المحدد، والفنادق والمطاعم التي تفعل الشيء ذاته بالنسبة للدجاج.
وبعد الطحين والدجاج نأتي إلى الكهرباء زاد مبلغ دعمها من 160 مليون دينار في 2007 الى 350 ديناراً في العام الماضي ومثله في العام الحالي، أي بزيادة 48%، ونسأل كم عدد المواطنين من ذوي الدخل المحدود يستفيدون من صرف هذه الملايين على دعم الكهرباء والماء، وهل ساهم هذا الدعم عموماً في تخفيض استهلاك الكهرباء والماء أو إلى المزيد من الاستهلاك الهادر لهذه الطاقة الحيوية، خاصة بعدما عجزت الدولة عن إيجاد حل عاد ومنصف لقضية الامتناع عن دفع مستحقات الكهرباء والماء، تراعي فيه إمكانيات وقدرات كل فئات المجتمع، وهو ما يتطلب بالفعل حواراً مجتمعياً ينتهي بالتوافق على هذا الحل العادل.
وإلى مبالغ الدعم الكبيرة التي تصرف على الغاز من أجل تخفيض أسعاره لمن؟ للمصانع، لمحطات الكهرباء، أم للاستهلاك المنزلي، وكل هذه الجهات لا تحتاج الى الدعم، والذين يتعاملون بغاز الاستهلاك المنزلي قد دبروا انفسهم من زمان ودأبوا على رفع أسعار أسطوانات الغاز حتى جاوز سعر الأسطوانة الضعف، أما أصحاب المصانع فلم يعرض أحد عليهم سعراً جديداً بدون دعم ورفضوه أو احتجوا عليه، وهيئة الكهرباء حكومة.
ونصل الى البنزين، ففي الدول الأخرى التي تقدر قيمة ثرواتها تفرض ضرائب على أسعار البنزين ليس من أجل تحقيق ربحية فحسب، وهذا حق لشركة مثل بابكو، ولكن من أجل هدف أكثر أهمية و هو الحد من تزايد أعداد السيارات، وبالتالي الحد من حالات الازدحام ومن الحوادث، ومن تلوث البيئة، فعندما يكون سعر لتر البنزين مرتفعاً ومؤثراً في ميزانية الفرد والأسرة، فإن الفرد لا يستخدم سيارته من أجل السير لساعات، لمجرد التسكع، وفي نهاية المطاف يملأ خزان سيارته بمبلغ لا يقل عن 10 دنانير بدلاً من دينارين في الوقت الحاضر، والأمر كذلك ينطبق على الأسرة التي تصف السيارات أمام بيتها دون اهتمام بتكلفة وقودها الزهيدة، وحتى بتسجيلها في إدارة المرور المحددة على الجميع بعشرين ديناراً بغض النظر عن سعر السيارة ونوعها وحداثتها، وهذا ما لا يحدث في الدول الأخرى التي تعتبر الضرائب إيراداً أساسياً في ميزانيتها.
ولن نعرج على الديزل الذي يفترض أن يدعم سعره لكي يستفيد من هذا الدعم صيادو السمك، ومن ثم يبيعون السمك على المستهلك بنفس نسبة الدعم الذي حصلوه على سعر الديزل، فهل هذا حاصل، وهل جرى في السنوات الخمس الأخيرة انخفاض أم ارتفاع سعر الهامور والكنعد وغيرها من الأسماك التي يتم اصطيادها في عرض البحر.
الجواب عن هذا السؤال، وكل الأسئلة الأخرى هو ارتفاع نسبة التضخم باضطراد، وشكوى المواطن المستمرة من غلاء الأسعار، كل الأسعار في بلد يستورد كل شيء من الخارج تقريباً، ومعه يستورد التضخم، ويتعرض إلى استغلال من المستوردين في الداخل، ومن غياب لجمعية حماية المستهلك ولقانون حماية المستهلك المجمد، ولإدارة حماية المستهلك ولسياسات وإرادة حماية المستهلك، وسامحني يا دكتور حسن فخرو.