ليس هنالك من ملف وطني يمكن لنا أن نغلقه، وهو مازال لم يحل ولم تكتمل فصوله بعد، وليس هنالك من ملف أهم وأكثر خطورة وحساسية من ملف السكن/ الإسكان.
لا نعلم أين وصل هذا الملف من جدولة الحل في أروقة وزارة الإسكان؟ ولا نعلم كم ستستغرق معالجة هذا الملف كي يطوى وإلى الأبد دون رجعة؟ ولا نعلم كم تحقق من المشاريع التي تطالعنا بها الصحافة والوزارة على الورق حتى تحولت من حلم إلى حقيقة؟
نحن لا ننكر الجهود التي تقوم بها الوزارة لمعالجة هذا الملف السميك جداً، ولا يمكن أن نغمض أعيننا عن بعض المشاريع التي تقوم بها وزارة الإسكان، لكن من المهم جداً أن تكون لنا خطة واضحة وعملية لمعالجة أزمة السكن في البحرين، فتفاقم الطلبات الإسكانية وعدم انخفاضها يعطينا انطباعاً واضحاً بأن الأزمة تراوح في مكانها، وأن هناك خللاً كبيراً في طريقة معالجة وإدارة هذا الملف المعقد.
في المملكة العربية السعودية، وقف أحد أعضاء مجلس الشورى هناك مخاطباً وزير الإسكان بقوله: «لو كنت مكانك لاستقلت، فأنت تتقدم خطوة وتتراجع ثلاثاً». ردود الأفعال هذه لا تعني أن الوزارة لا تعمل، كلا، ولكن لحجم الطلبات الهائلة التي تفوق إمكانية وقدرة الوزارة والوزير، فيكون المشهد كالتالي، تبني الوزارة بيتاً لأحد المستحقين من المواطنين، بينما في الجهة الأخرى من الوزارة يتقدم ثلاثة من المواطنين بثلاثة طلبات جديدة، وكأن الوزارة لم تقدم أي شيء يذكر على أرض الواقع!
إذا لم تكن هنالك استراتيجية صلبة وواضحة ومحددة المعالم، وصريحة في آفاقها وتوقيتها الزمني، فإن كل عمل مهما كان جميلاً من طرف الوزارة والوزير في ما يخص المشاريع الإسكانية، فإنها في أعيننا وفي أعين كل المواطنين لن ترى حتى بالعين المجردة.
في كل مرة تطرح الوزارة خططاً وأفكاراً جديدة، وفي كل مرة تتبنى نظرية تعتقد أنها المخرج من أزمتنا الإسكانية، سرعان ما يتضح عدم جدوى كل ذلك التنظير، حين تصطدم الوزارة بأعداد الطلبات الإسكانية الضخمة، والتي تتكاثر كل يوم بطريقة جنونية.
سكن أهالي مدينة عيسى منذ إنشائها عند نهاية الستينات من القرن الماضي، وها هم اليوم يقدم أبناؤهم طلبات جديدة للحصول على مسكن لهم بعد أن ضاق بهم المنزل العتيق وتزوج الأبناء وأنجبوا الأحفاد، وذلك منذ أكثر من عشرين عاماً، ومازالوا ينتظرون. إن أقل الناس فرصة للحصول على منازل العمر على ما يبدو، هم الذين يعيشون مذ ولدوا في بيوت ومدن الإسكان القديمة، ولأن مدينة عيسى لا تجاورها أراضٍ خالية، ستظل طلباتهم الإسكانية آخر الطلبات!!
ملف الإسكان من الملفات التي يجب أن تعالج بصورة عاجلة ونهائية قبل كل الملفات الوطنية الأخرى، فالسكن اللائق الكريم يخرج الإنسان من أوهام الغربة إلى حب الوطن والتعلق بترابه، وهذه من أعظم الفلسفات التي يجب أن تدرج مع كل طلب إسكاني أو منزل تبنيه الوزارة لأي مواطن بحريني.. إنها الحقيقة المرَّة.