يتفاوت فهمنا لكلمة «المسؤول» سواء على المستوى اللغوي أوالمستوى الاصطلاحي. والاختلاف في الفهم يترتب عليه اختلاف في التعامل؛ لذلك فإننا في العالم الثالث نتعامل مع «المسؤولين» ومع «المسؤولية» بمنطق جغرافي خاص بنا، أخشى أن يتحول فيما بعد إلى منطق عرقي نختص به نحن فقط.
كلمة المسؤول مشتقة من المسؤولية ومن السؤال كذلك. فالشخص الذي يجلس على كرسي المسؤولية ويتقلد منصب مسؤول، هو بالضرورة شخص «يُساءل» عما أنيط به، والمساءلة تقتضي المراقبة ويترتب عليها المحاسبة التي قد تؤدي إلى الثواب أو «العقاب». المسؤول هو شخص يمتلك مؤهلات ومهارات تزيد بدرجة ما وبكيفية معينة عن غيره ممن يرأسهم. لذلك فإن ما يقوم به من مهام لا يشرع في تنفيذها إلا بعد تخطيط ودراسة، وما يصدره من توجيهات لا تصدر إلا مبنية على مبررات وغايات واعتبارات. المسؤول حاضر الجواب وسريع التفاعل، لذلك هو حازم ومقدم في قراراته وقاطع فيها، وهو في الآن نفسه مرن يمتلك البدائل والمعالجات الكثيرة ويدرك قدرات العاملين معه واحتياجاتهم وظروفهم ويسعى دائماً إلى تدريبهم والارتقاء بهم. الشخص المسؤول «مسؤول»، من السؤال، عن نواتج أدائه وعن مستوى إنجازه، لذلك فإن المسؤولية سيف مسلط على عنقه، وأرق يطارده كلما هم أن ينام مثل «غير المسؤولين». ولكن هل هذا ما نراه في حقيقة واقعنا؟!!
في عالمنا الثالث، فإن المسؤولية تعني أولاً «الوجاهة الاجتماعية»؛ إذ يتغير الوضع الاجتماعي للمسؤول وتتغير تبعاً لذلك علاقاته وأسلوب التعامل معه وطريقة الاتصال به، وتزداد امتيازاته الوظيفية والمالية والعطايا التي يهبها له المنصب. ثم هي تعني «امتلاك الصلاحيات والاستثناءات». فمن حق المسؤول إصدار القرارات التي يرتضيها هو، والتحكم في التعيينات الوظيفية والترقيات كما يرغب هو. أما المعايير والاعتبارات فيمتلك هو تكييفها وتبريرها. وحق السوأل والمحاسبة حكر للشخص المسؤول فقط، يستخدمها ضد من يخالف توجيهاته أو ضد من يكثر من النقاش والجدل معه، أما المسؤول فإنه لا يُسأل عما يفعل لأنه صاحب الصلاحية والتوجيهات!!، وهكذا يتحول المسؤول إلى سيف مسلط على الموظفين الذين عليهم توخي رضاه وتجنب غضبه. إن هذا الواقع هو أحد المؤشرات التي تفسر لنا سبب تصدر دول العالم الثالث لتقارير الفساد المالي والإداري، وهو سبب تراجع الإنتاجية في عالمنا الثالث، وانحدار مستويات التنمية في عالم يتنافس على الارتقاء بإنتاجه وتنميته.
الطريف في كل ما سبق أن مسؤولينا لا يثقون في إنتاج بعضهم ولا في مستوى أدائهم، سواء كانوا في مكان العمل الواحد أو كانوا زملاء المسؤولية في مواقع عمل أخرى، وكي نتأكد من هذه الفرضية فإننا «نسأل» مسؤولينا: كم مسؤولاً منكم يدرس أبناءه في المدارس الحكومية والجامعات الحكومية؟ وكم مسؤولاً منكم يتعالج هو وأفراد أسرته في مستشفيات حكومية أو داخل البحرين تحديداً؟ وكم مسؤولاً منكم يخلص معاملاته وفق النظام الإداري الساري في وزارات الحكومة دون أن يطلب من زميله المسؤول إنفاذها وإنجازها في ثوانٍ معدودة؟
الإجابة عن الأسئلة السابقة لها دلالة والحكم لنا نحن، والخيار لمسؤولينا.