الأمثال البحرينية، بالأخص القديمة منها والتي تأتي متأصلة تحديداً من قلب المحرق الشماء، تضرب في كثيــر منها على مكامن الوجع، فهي لم تطلق ولم تنشأ إلا من انعكاس لواقع يعاش، بالتالي حينما نسمعها من آبائنا وأجدادنا وشيوبتنا لا تجد إلا الرد الشهير «صح لسانك».
ولعل أصدق الأمثال التي نعايشها اليــوم بكل أمانة، هي تلك المتعلقـــة بهموم الناس والوعود المتناثرة التي تقدم لها باعتبار أنها «جزم» بإنهاء هذه المعاناة وحلها.
سواء أكانت بعض التصريحات صادرة من مسؤولين في الدولة أو حتى نواب انتخبهم الناس، فإن حال لسان الناس اليوم وهي تقرأ وتسمع وترى لا يخرج عن ترديد الأمثال الشهيرة المعنية بـالوعد وعدم تنفيذه.
مؤخراً قمت بـ «استفزاز» بريء لا يخلو من الاحترام الجم لعدد من شياب هـــذا البلد أطال الله فــي أعمارهــــم، بعضهم ولد بعد سنوات بسيطة من اكتشاف النفط، وكلهم عاصروا مرحلة الاستعمار والتحرر ووصلوا إلى يومنا هذا ليروا كيف صارت الحياة في البحرين.
سألتهــم عما يرونـه من حراك، عــن البرلمان وعن أداء النواب، وعن حراك الدولة بالأخص في جانب الخدمات، وكيف يتعاملون مع ما يصل لمسامعهم من أبنائهم وأحفادهم من تصريحات رسمية أو «فذلكات» نيابية.
أحدهــم قال لي رداً على مسألة قــدرة البرلمان في تغيير واقع الناس، وهل بإمكان النواب أن ينسوا أنفسهم للحظات ويركزوا على الناس: «هذا عشم إبليس في الجنة»!
يقول بأنه في العقود الماضية كانت كلمة الرجل ملزمة، وحينما يعد الرجل ويخلف فإنه يعاب عليه ذلك ويكون أضحوكة بين الرجال، فلم يكن في فرجان البحرين حينها من يقول كلمة لا يقاتل من أجل تحقيقها، لكن حال اليوم -ويشير لوضع مجلس النواب- يبين بأن كثيراً من هؤلاء «الرجال» لم يكونوا صادقين مع الناخبين وباعوا الناس «الهوا».
آخـر يقول: «عيب والله عيب لما تعــــــد النـــاس برفــع رواتــب والمتقاعديــن بتحسين أوضاعهم، ثم نفاجأ بأن من يتحسن وضعه هو النائب نفسه. والله ما كان هذا العشم، وما هكذا تتصرف الرجال».
أما بشأن الإسكان فإن المسألة تظل الهم الخدمي الأول للمواطن اليوم، وبحسب قول أحد هؤلاء الشياب، فإن هذه المشكلــة كـــان يمكن أن تحل منذ زمن طويل لو أن الجهات المعنية بالدولة التزمت بعدم تأخير الطلبات وبناء الوحدات أولاً بأول، لو أنها وضعت القائمة أمامها وأنهت قائمة كل عام في نفس العام، بالتالي لن تصل المسألة لما هي عليه اليوم وتقف أمامها معضلات مثل ارتفاع أسعار مواد البناء و«سجال» المناقصات وتضــرر بعــــض المقاولين و«بيروقراطيـــــة» قطاعات الدولة المعنية التي يومها عن سنة، حسب وصفه.
أسأل آخر عن توقعه بشأن متى تحل مشكلة الإسكان، فيقول: «لين حجت البقر على قرونها! فاليوم كثير من المواطنين ليس بمقدورهم توريث أبنائهم شيئاً، لكن بإمكانهم توريثهم طلبات الإسكان علّ وعسى يحققون حلماً عجز عنه آباؤهم».
أهذا معقول أن يحصل في البحرين، بل هل من المقبول حصوله؟!
لماذا نكتب كل ذلك، لماذا نحاول بيان ما يقوله الناس، سواء الشيوخ منهم أو الشباب؟! فقط لأننا وبكل بساطة نرى أمامنا كثيراً من الحراك سواء في جانب الدولة أو في جانب السلطة التشريعية -المفترض- أنها ممثلة للشعب، كله لا يعكس بأن الهم الأول لكل الجهات هــو المواطــن ومشاكلــه، نــرى بــأن معانــاة المواطن في واد والاهتمامـات والتصريحات والسجالات كلها في واد آخر. أليس هذا واقع الحال يا جماعة؟!
لم تكن الرغبة في وجود البرلمان ليقوم بدوره كما هو الحال عليه اليوم، بل على العكس، كانت الرغبة في وجوده ليكون صوت الناس (نكرر صوت الناس)، وليعمل لأجل الناس وليحقق طموحاتهم، وليجعلهم شركاء أساسيين في عملية صناعة القرار، وأي صناعة؟! صناعة تمحور هذا القرار حول ما يريده المواطن ويستفيد منه.
أحاول رفع الهمم أحياناً مع الإدراك بأن الوجع أصبح مستفحلاً وتعجز عن معالجته كل المحاولات، فأقول بأنه ربما يفعل النواب المستحيل ويحققون وعودهم ويلبون للناس كل مطالبهم. لكن عند هذه اللحظة فقط يرد علي هؤلاء الشياب وأجزم بأن معهم الكثيرون -وأنا منهم أرد على نفسي- بالقول: «والله ما أخذنا منهم إلا الأزرق!» .. شعاد عطونا من «الأزرق»!
هامش..
عطنا من الأزرق، جملة شهيرة في المجتمع البحريني تطلق على من يقدم وعوداً خيالية ويوهم الناس بأنها ستتحقق، أو من يمارس «الشلخ» أي المبالغة بالقول في سرد الوقائع بحيث لا يصدقها إنسان عاقل، حينها يرد عليه بأن عطنا من «الأزرق»، أي عطنا من هذه «الشلخات» أو «الفبركات» أو بالعربي الفصيح «المبالغات».