لنتحدث بالعقل هنا، ونقول أولاً إنه بات مؤسفاً أصلاً أن تنبه لأي حديث ستدلو به بأنه يحتاج إلى تروٍ وعقلانية. وقد نبرر ذلك بالنسبة لأي إنسان تتشكل العاطفة فيه جزءاً كبيراً، يضاف إليه ما شهدته البحرين قبل ثلاثة أعوام من محاولة انقلابية صريحة استهدفت مكونات بعينها (مهما نفوا تهمة الطائفية، فالإثباتات موجودة، بل هم مارسوها على من يخالفهم أيضاً من نفس الطائفة)، نقول يضاف إلى كل ما مضى وبعض ما تبقى، فإن كثيراً من الناس ترى في السكوت والهدوء خطأ جسيماً يحصل وظلماً كبيراً يقع بالأخص على من كان لصوتهم ووقفتهم الأثر الأكبر في الحفاظ على كيان البلد.
البحرين مكتوب لها أن تمضي إلى الأمام، عمليات «الجر» إلى الوراء مارستها القوى الانقلابية طويلاً، وهي اليوم تستخدمها كسلاح لا تبارز به، إذ هي تعمل دائماً بأسلوب الطعن في الظهر، بل باتت تستخدمه كسلاح لتقويض ثقة وهمة المخلصين في دولتهم ونظامهم، وتسعى لبيان بأن أي فعل يحصل اليوم يراد منه كسر شوكة المخلصين، وهنا تكمن أصول اللعبة.
إن كنا لنقسم الأدوار، فالمنطق يقول بأن الدولة تقف هنا ومعها كل مواطن مخلص محب لبلده وترابها، وفي المقابل تقف فئة انقلابية لها أطماعها وأجندتها، تحاول الأخيرة أن «تقسم» حتى «تسود»، وما أبلغ من هدف التقسيم في الصف الواحد.
وعليه نقول بأن أي إجراء اليوم يجب أن تكون ملامحه واضحة، ومسبباته تساق بشفافية، لا أن يكون مبهماً لتتولد بسبب ذلك ردات فعل غير مطلوبة اليوم في صفوف من يرفعون الوطنية والإخلاص والولاء للأرض شعاراً واحداً.
لكن أيضاً الدولة عليها واجب، وواجب مهم هنا، يرتكز على ضرورة تثبيت القانون بقوة، تثبيته بمعنى تطبيقه على «كل من يخرقه ويتجاوزه»، والتطبيق يكون صريحاً وواضح المعالم ولا يستثني مخطئاً ولا متجاوزاً.
المشكلة دائماً تكمن في الشعار «دولة المؤسسات والقانون»، إذ حينما يسعى الناس لترجمته فعلياً على الأرض يجدون تناقضاً في بعض الحالات، فمثلاً من يحرض لا يستدعى ولا يستجوب ولا يوقف ولا يحاكم بالقانون. ومن يحشد تجمعات مرخصة تنتهي بمواجهات مع رجال الأمن (كما تصفهم الوفاق الآن بعد أن كانت تصفهم بالمرتزقة) لا يتم منعه من إقامة فعاليات أخرى بسبب أنه عاجز عن السيطرة على الانفلات الذي يحصل فيها. وفي مسألة «القدرة على السيطرة» شك كبير، فهل بالفعل هم حريصون على ضبط هذه المسيرات، أم يفرحون إن حملت شعارات شتم وتطاول على رموز الدولة والمكونات الأخرى أو تختتم بوابلات من المولوتوف والأسياخ؟!
الفكرة بأن رد فعل الشارع المخلص اليوم، وتحديداً إن كان رداً انفعالياً فإن له مسبباته، إذ لا يعقل أن يرى الناس الذين عانوا خلال احتلال الدوار وما تبعه، لا يعقل أن يروا الجانب الانقلابي يواصل فيما يفعله من تحريض وتأليب ومعاداة ومناهضة دون إجراءات صارمة قانونية تتخذ، ثم يرى في المقابل إجراءات تفسر على أنها إضعاف للمكونات الأخرى التي من حقها أن توصل صوتها وتأخذ مواقف وتمارس حقها في التعبير وحتى تسيير المسيرات والتجمعات وفق ما تنص عليه القوانين.
بالتالي حينما يتخذ إجراء هنا -بغض النظر عن التبرير والذريعة- لا يعقل أبداً ألا يتخذ إجراء هناك. عندما لا يتم الترخيص لمسيرة مخلصة لن ترفع هتافات وشعارات تتطاول فيها على النظام ورموز الحكم والقانون، ويتم الترخيص في المقابل لمسيرة يعرف تماماً أنها لن تنتهي إلا بالتسقيط والحرق والإرهاب، فهنا لا يلام الناس على ردة فعل قد تصل لمستوى متقدم من الغضب.
لن نقول إن هناك محاولات استرضاء للطرف الانقلابي تتم عبر إسكات أو تهدئة المخلصين الذين مازالوا يذكرون الدولة بمسؤوليتها تجاه تطبيق القانون وإعادة هيبة الأمن، لكننا نقول بأن عدم منح المخلصين مساحة للتعبير بحرية وعدم الاهتمام بما يقولون وما يطالبون به، هي المصيبة بعينها.
حينما تطلب من المخلص أن يسكت عن قول الحق، لأن كلامه يضايق من انقلب عليك مرات ومرات ويهادن اليوم ليمهد لانقلاب آخر، فإنك أصلاً تساعده بطريقة غير مباشرة، تساعده بكسر عزيمة المخلصين الواقفين على الحق، وتساعده بشق صفك المفترض أن يعمل على توحيده وتقويته لا تفتيته وشرذمته.
لا تحاولوا ثني المخلصين عن قول الحق، بالأخص إن كان لمصلحة بلدهم وحفاظاً عليها، فالحق أحق أن يتبع...
والله من وراء القصد.