لا يمكننا الحديث عن حماية المستهلك، والبحث عن سبل تحقيق هذه الحماية، والعمل على التحكم في الأسعار، وخلق المنافسة بين مختلف السلع المتشابهة من حيث الجودة والأسعار، إلا بالتطرق إلى ما آلت إليه الحركة التعاونية في البحرين، والتوقف بالتحديد عند التعاون الاستهلاكي.
فالحركة التعاونية نشأت في البحرين قبل أكثر من 41 عاماً، وذلك بإعلان تأسيس جمعية مدينة عيسى التعاونية في شهر ديسمبر من عام 1972، وخلال السنوات الأربع اللاحقة انتشرت الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في كل المحافظات، وفي كل المدن والقرى تقريباً، إلى الدرجة التي تنافست فيها الديه وسنابس وجدحفص، وهي القرى المتقاربة والمتداخلة على تأسيس جمعيات تعاونية مستقلة.
وحدث ذلك الانتشار على الرغم من عدم توفير البيئة الداعمة لقيام هذه الجمعيات وتمكنها من المنافسة والنجاح، على غرار ما فعلته الكويت عندما مكنت كل جمعية تعاونية من الانفراد في المنطقة التي أنشئت فيها، ومنعت الترخيص للبقالات ومحلات السوبر ماركت من الوجود في نفس المنطقة.
والداعم القوي الثاني الذي قدمته الكويت للجمعيات التعاونية هو التأسيس المباشر والسريع للاتحاد التعاوني الذي يتولى الشراء الجماعي لاحتياجات الجمعيات من السلع والبضائع من الداخل والخارج، وبكميات كبيرة وأسعار منافسة تجعله قادراً على طرحها في أسواق الجمعيات موحدة ومخفضة، وبأقل من أسعار أي محلات بيع استهلاكية أخرى في البلاد.
هذان الشرطان، إضافة إلى حزمة من المساعدات المادية والإدارية والأبنية التي دعمت بها الكويت الحركة التعاونية، وساهمت في نجاحها واستمرارها حتى اليوم وعلى مدى نصف قرن، لم توفرها حكومة البحرين للحركة التعاونية هنا، ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (1973-2005) ثم وزارة التنمية الاجتماعية بعد ذلك.
فهاتان الوزارتان تآمرتا على الحركة التعاونية، وبعبارة مخففة أهملتاها ولم تقدما لها المقومات اللازمة والدعم الذي تحتاجه للمنافسة والنجاح والاستمرارية، فلم تقدما لها الأبنية المناسبة من حيث الموقع والتصميم، ولم تمنعا الترخيص لمحلات سوبرماركت في مناطقها وقريباً منها، ولم يتأسس الاتحاد التعاوني على الرغم من مرور 41 عاماً على قيام الحركة التعاونية، وعلى النص على تأسيس الاتحاد في قانون التعاون الأول والثاني، بل وعلى انتخاب هيئة إدارية لهذا الاتحاد من الجمعيات المتبقية.
وقد أدى هذا الإهمال إلى أن تتساقط الجمعيات التعاونية وتغلق أبوابها واحدة بعد الأخرى، بعد أن سجلت خسائر فادحة أدت إلى فقدان رأسمالها وتراكم ديون تجار الجملة المحليين عليها، وآخرها جمعية الرفاع التي ودعت أعضاءها قبل حوالي شهرين، وساهمت وزارة التنمية الاجتماعية مشكورة في مباركة إعلان الوفاة.
هذه الوزارة التي لم تعمل على منع انهيار الجمعيات التعاونية ولا إنقاذ الحركة التعاونية والزراعية كذلك، وإنه على مدى سنوات طويلة خصصت لها هذه الوزارة قسماً يرأسه مدير، وعندما تحولت إلى وزارة التنمية الاجتماعية تقلص القسم إلى موظف واحد مسؤول عن متابعة الجمعيات التعاونية والأندية الأجنبية والكنائس وغيرها من المؤسسات التي تتبع الوزارة، وفي السنوات الأخيرة قطعت الوزارة علاقتها بالتعاون ولم يعد الموظف يحضر اجتماعات الجمعيات العمومية لما تبقى من جمعيات قليلة.
الأدهى من ذلك فقد أرادت جمعية مدينة عيسى التعاونية أن تحتفل بمناسبة مرور 40 عاماً على إنشاء الجمعية والحركة التعاونية، وكتب مجلس إدارة الجمعية إلى وزيرة التنمية الاجتماعية يطلب مقابلتها والاستئذان بإقامة الاحتفال تحت رعايتها، وبعد شهور من الانتظار انتهت المناسبة وأصبحت قديمة ومعالي الوزيرة لم ترد لا بالموافقة أو الرفض.
هذا الكلام حدث في النصف الثاني من العام 2012، وفي نفس الفترة، وبصفتي باحثاً في مجال التعاون ورئيس جمعية مدينة عيسى في أوائل الثمانينات، كتبت لمعالي الوزيرة أعرض عليها إعداد دراسة عن تطور ومستقبل الحركة التعاونية في البحرين تقدم إلى جانب أوراق أخرى في احتفالية مرور 40 عاماً على الحركة التعاونية في البحرين، لكنني لم أحصل على جواب بالسلب أو الإيجاب لا من الوزيرة ولا من الموظفين الأدنى منها.
إهمال التعاون من قبل الوزارة تمثل أيضاً في ترداد الوزيرة كلما سئلت من الصحافة عن موقفها من الوضع المتردي للحركة التعاونية: «لقد تعاقدنا مع خبيرة تعاونية بريطانية من أجل القدوم إلى البحرين والعمل على تدريب المسؤولين في الجمعيات التعاونية».
هذا الجواب تكرر على لسان الوزيرة على مدار السنوات الست الأخيرة على الأقل، وهو جواب أشبه ما يكون بذلك الجواب الذي دأبت الوزيرة على ترداده أمام الصحافيين منذ عام 2006 حتى اليوم، ومفاده: لقد كلفت الوزارة البنك الدولي بإعداد دراسة عن خط الفقر في البحرين، وحالما تجهز هذه الدراسة سنوافيكم بها ونطبقها إن شاء الله بعد ذلك.
ما الذي يمكننا أن نفهم من هذا، هل هو هروب أو تجاهل أو سخرية؟ يتبع غداً.