بعد أن أعدم زوج عمته بسبب عدم التصفيق بحرارة، صفق له البرلمان بوتيرة واحدة وبأيدٍ مرتفعة، وهو يتدحرج أمامهم إلى المنصة.
في واحد من المشاهد التي تجسد معاني الدكتاتورية والطغيان والغرور دخل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى قاعة البرلمان ليقف له مئات الحضور من أعضاء البرلمان والعسكريين مصفقين لأربعين ثانية بحرارة وبشكل متواصل، ليس حباً بل خوفاً مما قد يحدث لأحدهم إن لم يتفاعل مع طلته البهية، خصوصاً وأنهم شهدوا بأنفسهم ما حل بزوج عمته، الرجل الثاني في البلاد، الذي لم يصفق له بحرارة أثناء اجتماعات القيادة، فأمر بحبسه خمسة أيام وضع بعدها عارياً في زنزانة وأطلقوا عليه «120» كلباً برياً تم تجويعهم ثلاثة أيام لتقطعه أمام الزعيم و«300» من كبار المسؤولين، وكانت من ضمن التهم الموجهة له حسب وكالة الأنباء الفرنسية عدم التصفيق للزعيم بحرارة، مشهد دخول الرئيس الكوري إلى البرلمان وهو يوزع نظراته على الحضور المصفقين ليتأكد من جودة التصفيق وأنهم في حالة الخوف والوجل والرعب التي ينشدها فيهم، ذكرني بمشاهد من مسرحية «الزعيم» لعادل إمام عندما دخل على مجموعة من المسؤولين وهم يصفقون وهو ينظر إليهم شزراً «النظرة ذاتها للزعيم الكوري» ثم نعتهم بالبهائم، هكذا وبهذه الطريقة تمتهن كرامة الشعوب وتمسخ شخصيتها.
تعوّد الشعوب على قبول الإهانة والمذلة والعبودية لا يأتي فجأة؛ بل يحتاج إلى زمن من الترويض، ربما في كوريا الشمالية تولى هذه المهمة جد الرئيس الحالي «كيم إل سونغ» والذي حكم كوريا في الفترة 1948-1994، ثم ورث ابنه «كيم جونغ إل» السلطة وحكم في الفترة 1994-2011 ليورث السلطة لابنه الرئيس الحالي، وإلا كيف تمكن شخص ملامحه طفولية لا يملك كاريزما الحاكم من استعباد الناس بهذه الطريقة، وكيف قبل الشعب في بلد نظام الحكم فيه جمهوري من توريث السلطة لثلاثة أجيال؟!
المضحك المبكي في الأمر أن هؤلاء الطغاة المستعبدين شعوبهم يختارون لأوطانهم أسماء مركبة فارغة من محتواها مثل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية «الشمالية»، أو الجماهيريـــة العربيـــة الليبيـــة الشعبيـــة الاشتراكية العظمى، أسماء تصلح لتكون كلمة ســر «Password» لبريد إلكتروني ولا يمكـــن اختراقه، أما كيف يحافظ هؤلاء على مسخ شعوبهم فيأتي من حفاظهم على استخدام أسلوب العنف معهم وبطريقة مبتكرة فهذا الزعيم افتتح حكمه بإعدام وزير الجيش عقاباً له على تعاطيه المسكرات في فترة الحداد على أبيه الرئيس الراحل، والطريقة المبتكرة أنه أعدم بقذيفة هاون، وآخر إبداعات الزعيم أنه حدد قصة الشعر لطلبة الثانوية والتي يجب أن تكون كقصة شعره، أما الرجال فلهم «10» قصات، كما حدد «18» قصة للنساء يجب أن لا يحيدوا عنها، إذلال ما بعده إذلال.
من تعوّد الذل والمهانة ورضي بها يخاف الخروج إلى الحرية وتصبح العبودية بالنسبة له حالة إدمان.