في السنوات الأولى من نشوء الحركة التعاونية، ازدهرت هذه الحركة نتيجة الدعم القوي الذي حظيت به من قبل وزير العمل والشؤون الاجتماعية وقتها الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة والذي كان مؤمناً ومتفهماً لأهمية التعاون ودوره في خدمة المجتمع والمواطنين من ذوي الدخل المحدود بما يدره عليهم من عائد مادي سنوياً، وينمي لديهم الحاجة للادخار.
وقتها وقف الشيخ عيسى صامداً ومدافعاً عن وجود الحركة التعاونية أمام كل الذين حاولوا إجهاضها، والذين وجدوها منافسة للتجار في البيع بأسعار منخفضة، واستقطاب الزبائن من لدى محلاتهم التجارية.
نجاح التعاون في ذلك الوقت تمثل أيضاً في وجود مدير قسم التعاون المرحوم أنور شهاب الذي عمل بإخلاص لخدمة التعاون ليس كموظف ينهي فترة دوامه العادي، ولكنه ذلك المخلص المتفاني في حب التعاون ونجاح الحركة التعاونية، الذي ينتقل من الوزارة إلى جمعية مدينة عيسى، ويبقى فيها حتى تغلق أبوابها عند منتصف الليل يساعد الأعضاء والموظفين والعمال، يتحدث في مبادئ التعاون ويذلل المشكلات التي تعترض الموظفين، ويساعد العمال في صف البضاعة على الأرفف.
الشخصية الثالثة التي ساندت الحركة التعاونية في مهدها هو الخبير التعاوني «دانداباني» وهو خبير تعاون منتدب من منظمة العمل الدولية، باعتبارها المنظمة الأممية المختصة بشؤون التعاون، قام خلال وجوده في البحرين بعقد العديد من حلقات التدريب لأعضاء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية، وأصدر الكثير من الكتيبات التوعوية والشارحة للعمل التعاوني، والمذللة لمشكلاته، وكان هو الآخر يتواجد بالجمعيات في الفترة المسائية ليعلم الجميع أن التعاون هو ممارسة الجميع من مجلس إدارة إلى أعضاء عاديين للعمل التعاوني باستخدام أياديهم وإلى جانب الموظفين والعمال.
أسفرت تلك المثل والجهود عن وجود جيل من التعاونيين الذين أدركوا معاني التعاون، وتشبعوا بمبادئه ومثله، ومارسوه عملياً، وساهم هذا الجيل في نجاح وازدهار الحركة التعاونية وانتشارها السريع على مدى عشرين عاماً تقريباً، واستمر هذا الازدهار إلى بداية التسعينات، عندما بدأت التغيرات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بوصول وزير تاجر إلى سدة الوزارة وبدأت النظرة السلبية للتعاون، حيث توقف الاهتمام والمتابعة واستقدام الخبراء، وترك أنور شهاب الوزارة والتحق بالجامعة، وبدأت مرحلة الانهيار.
وعودة لسؤالنا الرئيس: لماذا الحركة التعاونية صمام الأمان لحماية المستهلك؟
من المبادئ الأساسية للتعاون العمل بعيداً عن السياسة والدين والمذهب والطائفة والعنصرية والقبلية وغيرها من وسائل التصنيف والتفريق، والتركيز على خدمة مصلحة أعضاء الجمعية الذين يصبح الواحد منهم عضواً بمجرد شرائه سهماً واحداً عادة ما يكون سعره مناسباً ومحدداً وغير قابلاً للارتفاع أو الانخفاض، وبالنسبة لنا في البحرين فسعر السهم في الجمعية التعاونية منذ عام 1972 هو دينار واحد.
وكما نلاحظ أن هناك فرقاً أساسياً بين الجمعيات التعاونية والشركات المساهمة، حيث سعر السهم ثابت في الجمعية التعاونية ويتحرك في الشركة المساهمة، والأعضاء في الجمعية التعاونية متساوون بصوت واحد مهما بلغ عدد الأسهم التي يمتلكونها، أما في الشركات المساهمة فعدد الأسهم يحدد عدد الأصوات التي يمتلكها المساهم.
وبناء عليه فإن استفادة عضو الجمعية من العائد على الأسهم محدودة، في حين أن الاستفادة الكبرى لعضو الجمعية التعاونية تأتي من العائد على المشتريات، تطبيقاً للمبدأ التعاوني الذي يقول «إذا اشتريت أكثر حصلت على عائد أكبر»، وهو ما يعني أن أعضاء الجمعية يعملون على إنجاحها بشراء كافة احتياجاتهم الاستهلاكية بشكل دائم على مدار السنة من جمعيتهم ، وأنه في كل مرة يشترون فيها تسجل مشترياتهم على رقم عضويتهم، وفي آخر السنة يحسب مجموع مشتريات كل عضو ويعطى عليها نسبة عائد المشتريات من صافي الأرباح، كما حددها قانون التعاون وأقرها مجلس الإدارة والجمعية العمومية ولجنة المراقبة بالجمعية.
وفي هذا الصدد ينص قانون التعاون البحريني لعام 2000 على: يخصص 20% من صافي ربح الجمعية السنوي كربح لأسهم رأس المال بنسبة مساهمة كل عضو، ويخصص 10% لتحسين شؤون المنطقة من النواحي العمرانية والاجتماعية والتعليمية، و5% للإصلاح والصيانة، و5% للتعليم والتدريب التعاوني، و10% مكافأة لأعضاء مجلس الإدارة أو بالحد الأقصى الذي يحدده الوزير المختص أيهما أقل، والباقي من صافي الأرباح يوزع على الأعضاء كعائد على مشترياتهم باعتباره ربحاً على المعاملات بنسبة تعامل كل منهم مع الجمعية خلال السنة، وهو ما يعني أن ربح أو عائد المشتريات يصل إلى 45% من صافي الأرباح، وبالتالي العائد الأكبر الذي يتم توزيعه.
إلا أن انهيار الحركة التعاونية، واقتصار عمل الجمعيات القليلة الموجودة -ماعدا جمعية الحد التعاونية- على محطات البنزين أو المحروقات، واستمرار جمعية مدينة عيسى التعاونية في تأجير سوقها الرئيس وسوق جرادب، هذا الوضع جعل عائد مشتريات الأعضاء يتراوح بين 5-6% وعلى مبلغ مشتريات ضئيل هو مبلغ مشتريات البنزين.
حدث هذا بسبب فقدان الوعي التعاوني لدى أعضاء مجالس الإدارة، وعدم إدراكهم للبعد الاجتماعي للتعاون والمتمثل في حماية المستهلك بتقديم خيارات من البضائع بأسعار مخفضة، لعدم سعي الجمعية التعاونية إلى الربح، واستفادة العضو بحوالي نصف مبلغ مشترياته في نهاية السنة وهو ما ينمي لديه الرغبة في الادخار، وهذا لا يتحقق إلا إذا وجدت محلات بيع بالجمعيات يشتري منها الأعضاء، فهذا الشراء هو الذي يجسد التعاون، أما تأجير المحلات فهو يوفر دخلاً محدوداً ولا يحقق التعاون.
وقتها وقف الشيخ عيسى صامداً ومدافعاً عن وجود الحركة التعاونية أمام كل الذين حاولوا إجهاضها، والذين وجدوها منافسة للتجار في البيع بأسعار منخفضة، واستقطاب الزبائن من لدى محلاتهم التجارية.
نجاح التعاون في ذلك الوقت تمثل أيضاً في وجود مدير قسم التعاون المرحوم أنور شهاب الذي عمل بإخلاص لخدمة التعاون ليس كموظف ينهي فترة دوامه العادي، ولكنه ذلك المخلص المتفاني في حب التعاون ونجاح الحركة التعاونية، الذي ينتقل من الوزارة إلى جمعية مدينة عيسى، ويبقى فيها حتى تغلق أبوابها عند منتصف الليل يساعد الأعضاء والموظفين والعمال، يتحدث في مبادئ التعاون ويذلل المشكلات التي تعترض الموظفين، ويساعد العمال في صف البضاعة على الأرفف.
الشخصية الثالثة التي ساندت الحركة التعاونية في مهدها هو الخبير التعاوني «دانداباني» وهو خبير تعاون منتدب من منظمة العمل الدولية، باعتبارها المنظمة الأممية المختصة بشؤون التعاون، قام خلال وجوده في البحرين بعقد العديد من حلقات التدريب لأعضاء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية، وأصدر الكثير من الكتيبات التوعوية والشارحة للعمل التعاوني، والمذللة لمشكلاته، وكان هو الآخر يتواجد بالجمعيات في الفترة المسائية ليعلم الجميع أن التعاون هو ممارسة الجميع من مجلس إدارة إلى أعضاء عاديين للعمل التعاوني باستخدام أياديهم وإلى جانب الموظفين والعمال.
أسفرت تلك المثل والجهود عن وجود جيل من التعاونيين الذين أدركوا معاني التعاون، وتشبعوا بمبادئه ومثله، ومارسوه عملياً، وساهم هذا الجيل في نجاح وازدهار الحركة التعاونية وانتشارها السريع على مدى عشرين عاماً تقريباً، واستمر هذا الازدهار إلى بداية التسعينات، عندما بدأت التغيرات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بوصول وزير تاجر إلى سدة الوزارة وبدأت النظرة السلبية للتعاون، حيث توقف الاهتمام والمتابعة واستقدام الخبراء، وترك أنور شهاب الوزارة والتحق بالجامعة، وبدأت مرحلة الانهيار.
وعودة لسؤالنا الرئيس: لماذا الحركة التعاونية صمام الأمان لحماية المستهلك؟
من المبادئ الأساسية للتعاون العمل بعيداً عن السياسة والدين والمذهب والطائفة والعنصرية والقبلية وغيرها من وسائل التصنيف والتفريق، والتركيز على خدمة مصلحة أعضاء الجمعية الذين يصبح الواحد منهم عضواً بمجرد شرائه سهماً واحداً عادة ما يكون سعره مناسباً ومحدداً وغير قابلاً للارتفاع أو الانخفاض، وبالنسبة لنا في البحرين فسعر السهم في الجمعية التعاونية منذ عام 1972 هو دينار واحد.
وكما نلاحظ أن هناك فرقاً أساسياً بين الجمعيات التعاونية والشركات المساهمة، حيث سعر السهم ثابت في الجمعية التعاونية ويتحرك في الشركة المساهمة، والأعضاء في الجمعية التعاونية متساوون بصوت واحد مهما بلغ عدد الأسهم التي يمتلكونها، أما في الشركات المساهمة فعدد الأسهم يحدد عدد الأصوات التي يمتلكها المساهم.
وبناء عليه فإن استفادة عضو الجمعية من العائد على الأسهم محدودة، في حين أن الاستفادة الكبرى لعضو الجمعية التعاونية تأتي من العائد على المشتريات، تطبيقاً للمبدأ التعاوني الذي يقول «إذا اشتريت أكثر حصلت على عائد أكبر»، وهو ما يعني أن أعضاء الجمعية يعملون على إنجاحها بشراء كافة احتياجاتهم الاستهلاكية بشكل دائم على مدار السنة من جمعيتهم ، وأنه في كل مرة يشترون فيها تسجل مشترياتهم على رقم عضويتهم، وفي آخر السنة يحسب مجموع مشتريات كل عضو ويعطى عليها نسبة عائد المشتريات من صافي الأرباح، كما حددها قانون التعاون وأقرها مجلس الإدارة والجمعية العمومية ولجنة المراقبة بالجمعية.
وفي هذا الصدد ينص قانون التعاون البحريني لعام 2000 على: يخصص 20% من صافي ربح الجمعية السنوي كربح لأسهم رأس المال بنسبة مساهمة كل عضو، ويخصص 10% لتحسين شؤون المنطقة من النواحي العمرانية والاجتماعية والتعليمية، و5% للإصلاح والصيانة، و5% للتعليم والتدريب التعاوني، و10% مكافأة لأعضاء مجلس الإدارة أو بالحد الأقصى الذي يحدده الوزير المختص أيهما أقل، والباقي من صافي الأرباح يوزع على الأعضاء كعائد على مشترياتهم باعتباره ربحاً على المعاملات بنسبة تعامل كل منهم مع الجمعية خلال السنة، وهو ما يعني أن ربح أو عائد المشتريات يصل إلى 45% من صافي الأرباح، وبالتالي العائد الأكبر الذي يتم توزيعه.
إلا أن انهيار الحركة التعاونية، واقتصار عمل الجمعيات القليلة الموجودة -ماعدا جمعية الحد التعاونية- على محطات البنزين أو المحروقات، واستمرار جمعية مدينة عيسى التعاونية في تأجير سوقها الرئيس وسوق جرادب، هذا الوضع جعل عائد مشتريات الأعضاء يتراوح بين 5-6% وعلى مبلغ مشتريات ضئيل هو مبلغ مشتريات البنزين.
حدث هذا بسبب فقدان الوعي التعاوني لدى أعضاء مجالس الإدارة، وعدم إدراكهم للبعد الاجتماعي للتعاون والمتمثل في حماية المستهلك بتقديم خيارات من البضائع بأسعار مخفضة، لعدم سعي الجمعية التعاونية إلى الربح، واستفادة العضو بحوالي نصف مبلغ مشترياته في نهاية السنة وهو ما ينمي لديه الرغبة في الادخار، وهذا لا يتحقق إلا إذا وجدت محلات بيع بالجمعيات يشتري منها الأعضاء، فهذا الشراء هو الذي يجسد التعاون، أما تأجير المحلات فهو يوفر دخلاً محدوداً ولا يحقق التعاون.