قبل أكثر من عامين قرأت خبراً يعلن عن تشكيل المجلس الأعلى للسياحة في مملكة البحرين، وبعدها اختفت أخباره، ولم أعلم عنه شيئاً، وظننت أنه مثل الهيئة العليا للإعلام التي شكلت هي الأخرى قبل عامين، واجتمعت مرة واحدة للتعارف، ثم اختفت عن الاجتماعات وعن الأنظار وعن خدمة قطاع الإعلام.
وهكذا هو حال المجلس الأعلى للسياحة الذي تم تشكيله برئاسة وزيرة الثقافة، ومن الوكيل المساعد للسياحة - فهذه الوزارة ليس بها وكيل منذ استقال الدكتور عيسى أمين منها قبل بضع سنوات- ثم من ممثلي وزارات من بينها وزارة البلديات بغرض تنظيف المواقع السياحية والآثارية، وزارة الأشغال من أجل رصف شوارع هذه المواقع وترميم مبانيها، والمجلس النوعي للفندقة، وربما وزارة الداخلية على ما أذكر.
وبعد فترة اختفاء طويلة يعقد هذا المجلس اجتماعه الثاني وتشرئب الأعناق، وتتطلع إليه الأنظار فهو - أي المجلس- وبعد هذا الغياب الطويل سيطبق المثل البحريني الذي يقول: «من طول الغيبات عاد بالغنائم»، وهي ولا شك غنائم كبيرة وكثيرة ملقاة على عاتق مجلس أعلى للسياحة، وليس مجرد مجلس عادي، يفترض أن يكون أعلى في مستوى وشمولية تمثيله لأصحاب الاختصاص والمسؤولية، والتمثيل لكافة المجالات التي يتوقع أن يتوجه إليها هذا المجلس لإعادة الحياة للسياحة بعد أن دمرها المسؤولون الذين تعاقبوا على تزعمها إما بصفتهم وزراء أو وكلاء أو كلاء مساعدين أو مدراء لا علاقة ولا فهم لهم بالسياحة، وإنما أداروها بحكم الأمزجة والأهواء.
ويفترض أن يمارس هذا المجلس عمله بأسلوب الفريق الجماعي الذي يستند الى لائحة تنفيذية تحدد صلاحية ومسؤولية كل عضو فيه، وتؤكد على أن القرار يتخذ بالأغلبية، وليس بأوامر فردية، وأن الهدف أولاً وأخيراً هو تنمية السياحة في البحرين باعتبارها قطاعاً اقتصادياً يتطلع إليه كأحد القطاعات الاقتصادية الواعدة لتنويع مصادر الدخل، وتحريك السوق وتوفير وظائف مجزية للمواطنين.
وحتى يتحقق هذا الهدف، ومعه إدارة السياحة بالأسلوب السليم فإنه كان يجب أن يتشكل هذا المجلس بشكل مختلف، وأن يشمل هذا التشكيل أصحاب الاختصاص والخبرة في السياحة، بما فيها وجود خبير سياحي سواء من الداخل أو الخارج، ومستشار قانوني له إلمام وعلاقة بقوانين السياحة، والأنظمة والعلاقات والمعايير المرتبطة مع المنظمات المعارض والمؤسسات الدولية، فالسياحة الناجحة والمزدهرة لابد أن تلتزم بالمعايير والمتطلبات المحلية والدولية، ولا يخرج أحد عن هذه المعايير ليقول هذا أحبه وهذا لا أريده.
وبعد ذلك يبدأ المجلس عمله ببحث وإقرار ثلاثة موضوعات أساسية وملحة، أولها تكليف فريق قانوني مختص بوضع قانون للسياحة يكون بمثابة البنية القانونية للسياحة التي بها تحتمي جميع مكونات القطاع السياحي، وكل المؤسسات، والأفراد والمستثمرين في هذا القطاع، من التعرض لحقوقهم ومشروعاتهم واستثماراتهم وأعمالهم ووظائفهم، وجميع هؤلاء عانوا الأمرين في الماضي وتكبدوا الخسائر، وأغلقت مؤسساتهم وفنادقهم جراء غياب قانون السياحة المشرع وفق المعايير العالمية، وحلول مزاج الوزير أو المسؤول محله، والذي لا يعترف بالقانون ولا يرى لزوماً لوجوده.
وفي هذا الصدد فالبحرين تعاني من التعدي على مواقع أثرية وتاريخية تعتبر من مقومات السياحة الثقافية في البلاد، وتحتاج إلى القانون لكي يوقف ضياع أجزاء من هذه المواقع والتعدي على القائم منها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما حل بقبور أو مدافن عالي، ومستوطنة سار، وما حدث من اعتداء على قلعة الرفاع التاريخية وأعني بها قلعة الشيخ سلمان بن احمد الفاتح التي بنيت في عام 1812 والتي سمحت الوزارة المسؤولة عن السياحة للبعض ببناء مقهى ومطعم داخل القلعة، بل وتحويل أحد أبراجها إلى مرحاض يستخدمه رواد ذلك المطعم، مخالفة بذلك قوانين اليونسكو التي تمنع إقامة أبنية إضافية داخل المواقع الأثرية والتاريخية من تلك التي يزيد عمرها عن 50 سنة، فكيف وقلعة الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح قد مضى عليها أكثر من 200 عاماً.
والموضوع الأساسي الثاني هو أن يشرع المجلس ومن خلال المختصين داخله وخارجه بوضع استراتيجية للسياحة في البحرين يتبين منها أي سياحة أو سياحات نريد، أو هي موجودة ومرغوبة، أو يمكن تنميتها والتوسع فيها، وما هي المنتوجات السياحة التي علينا التركيز عليها، وجعلها منتوجات سياحية متكاملة تغطي وقت السائح من الصباح حتى المساء، وتشمل السياحة الثقافية والترفيهية وأي مجالات أخرى تتميز بها البحرين، ويقصدها السائحون من أجلها، فإذا عرفنا أن غالبية السواح الذين يترددون على البحرين هم من الخليجيين، سهل علينا وضع الاستراتيجية السياحية ومعرفة توجهاتها.
والموضوع الرئيس الثالث والمرتبط بالاستراتيجية هو العمل على إيجاد وتطوير البنية التحتية للسياحة، وهي بنية متكاملة من البحر والشواطئ والرياضات والرحلات البحرية، الى السياحة الثقافية بمواقعها وفنونها الموسيقية والفنانين، إلى الفنادق والمطاعم وما تقدمه من برامج ترفيهية وغيرها من المنتوجات المكملة والداعمة للبنية التحتية، هذه هي الموضوعات التي يجب أن يبدأ ويركز عليها المجلس الأعلى للسياحة وليست تلك التي بحثها المجلس بعد غيابه الطويل والتي لا تبشر بخير.