جميعنا أو ربما غالبيتنا درس أو سمع عن «هرم ماسلو» للاحتياجات، هذا الهرم الذي يعتبر من أساسيات التدريس في العلوم الإنسانية على رأسها علم النفس.
العالم الأمريكي إبراهام ماسلو وضع هذه النظرية المبنية على أربع مراحل والتي تم تطويرها فيما بعد بإضافة مرحلة خامسة هي -بحسب التصنيف- أعلى درجة من درجة الاحتياجات وهي المعنية بالحاجة إلى الابتكار وتحقيق الذات.
وقفزاً هنا للمرحلة الأخيرة بتجاوز المراحل الأخرى التي سنأتي عليها، قد يكون في جانب الابتكار وتحقيق الذات نقاش طويل وجدل، باعتبار أن تحدي الابتكار وتحقيق الذات حاجة ذات نسبة متفاوتة بين البشر، إذ للأسف كثير منهم لا يقيم لها وزناً، باعتبار أن استيفاء الحاجات الأساسية أصبح هو الهم الأكبر والشغل الشاغل لسواد أعظم من الناس.
الفكرة في التذكير بهذا الهرم، هي محاولة مراجعة الاحتياجات التي يتضمنها وإخضاعها للتقييم من قبل كل فرد فينا، إذ بين الفترة والأخرى يحتاج الفرد لتحديد احتياجاته وإعادة ترتيبها حسب الأولويات، لكن الأهم معرفة ما هو متحقق منها من عدمه.
بغض النظر عن كثير من التحليلات العلمية القائلة بأن «هرم إبراهام ماسلو» يمكن انتقاده بسهولة من عدة جوانب، على رأسها مدى صحة ترتيبه للحاجات باعتبار أنها تختلف من شخص إلى آخر، بالإضافة لإغفاله جانب الحاجات الروحية والأمور عدم المحسوسة التي تدخل في الغيبيات مع ارتباطها بالإيمان والاعتقاد.
بعيداً عن التنظير ودهاليس التحليل الفلسفي، هرم ماسلو بالنسبة لكثير من الناس هنا في البحرين تحديداً، هو بمثابة «هرم مختل»، إذ أبسط الحاجات الأساسية مفقودة، وهذا رأي شخصي مبني على شواهد ومتابعات لحالة المجتمع، قد يتفق معي الكثيرون وقد يختلف بعض آخر.
هنا يمكن لأي شخص منا أن يقيم مدى تحقق حاجاته بإخضاع كل مرحلة للتقييم وماذا إذا كانت متحققة أم لا؟!
تدرج الحاجات في الهرم يبدأ من المرحلة الأولى المعنية بـ»الحاجات الفسيولوجية» والتي تندرج تحتها حاجات مثل: «التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن والإخراج». ولربما هذه المرحلة هي الأكثر تحققاً بالنسبة لغالبية البشر، بغض النظر عن النسبة والتناسب في مسألة «وفرة» الطعام والشراب.
المرحلة الثانية معنية بـ»الحاجات الأمنية»، وتندرج تحتها حاجات مثل: «السلامة الجسدية، الأمن الوظيفي، أمن الموارد، الأمن الأسري والصحي وأمن الممتلكات». وهنا بالنسبة للبحرين والوضع الراهن، يمكن الوقوف عند هذه الحاجات وقفات مطولة بل يمكن تأليف كتب وكتابة صفحات مطولة وإجراء استبيانات واسعة بشأن مدى إحساس المواطن بأن حاجاته الأمنية متحققة أم لا.
لن أسهب في هذه الجزئية، لكن يكفي أن نوجه السؤال أعلاه للمواطن بغض النظر عن ميوله السياسي واهتماماته الاجتماعية لنخلص إلى وجود خلل كبير في أحد أهم المراحل الأساسية من مراحل تحقيق «الاحتياجات البشرية».
المرحلة الثالثة معنية بـ»الحاجات الاجتماعية»، وتندرج تحتها الحاجات مثل: «الصداقة، العلاقات الأسرية، الألفة الجنسية». وفي أول حاجتين يتضح بأن لدينا شرخاً كبيراً، سواء أكانت بالنسبة للحالة بين أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع أو بالنسبة للعلاقات، ولكل ذلك أسباب عدة، لكن السبب السياسي الحالي هو المسبب الرئيس لكل شيء.
المرحلة الرابعة قبل الأخيرة (المرحلة الخامسة المعنية بالابتكار وتحقيق الذات تطرقنا لها أعلاه)، هذه المرحلة معنية بـ»الاحتياجات التقديرية»، وتحتها تأتي حاجات مثل: «تقدير الذات، الثقة، الإنجازات، احترام الآخرين والاحترام من الآخرين». وأيضاً هنا لو جئنا لنقيم سنجد مصيبة كبيرة مفادها أن كثيراً من هذه الحاجات فيها خلل شنيع، خاصة تلك المعنية بالتقدير أو زرع الثقة، أو الحرص على الإنجاز والاحترام المتبادل.
لا نقول ما نقوله من دافع إحباط أو تحبيط، أو نظرة من خلف عدسات سوداوية، بل من منطلق تشخيص لواقع نعايشه يومياً، معه يتضح بأن احتياجات المواطن متحققة بنسبة أقل من «حد الكفاف»، وأنه رغم ذلك يوجد في المقابل إدعاء (نعم أقول إدعاء) بأن أغلب الاحتياجات مستوفية، وأن كل عمليات بناء الذات والنجاح وتحقيق الرضا والدفع باتجاه تحقيق الذات والابتكار موجودة، في حين أن الواقع يقول عكس ذلك تماماً.
خلاصة القول هنا، وهي خلاصة نكررها للمرة الألف، تحقيق الرضا لم ولن يكون أبداً بالشعارات أو الوعود الكلامية بلا تطبيق فعلي، وتلبية احتياجات الناس بالأخص في المجتمعات العربية لا تكون أبداً عبر حراك فردي لكل شخص للاهتمام بما يريده لنفسه بنفسه، بل كلها عملية مبنية على استراتيجيات وخطط وأولويات والأهم إرادة تأتي في المقام الأول من قبل إدارة الدولة التي على عاتقها وضمن مسؤوليتها الاهتمام بالناس وتحقيق تطلعاتها ومساعدتهم لتطوير ذواتهم.
للأسف في البحرين تتحطم كثير من النظريات وتنسف كثير من الأدبيات، والثوابت المنطقية تصبح ضرباً من الجنون، وعليه فإن «هرم ماسلو» ليس مقلوباً لدينا، بل هرمه «منسوف منسوف منسوف!».
{{ article.visit_count }}
العالم الأمريكي إبراهام ماسلو وضع هذه النظرية المبنية على أربع مراحل والتي تم تطويرها فيما بعد بإضافة مرحلة خامسة هي -بحسب التصنيف- أعلى درجة من درجة الاحتياجات وهي المعنية بالحاجة إلى الابتكار وتحقيق الذات.
وقفزاً هنا للمرحلة الأخيرة بتجاوز المراحل الأخرى التي سنأتي عليها، قد يكون في جانب الابتكار وتحقيق الذات نقاش طويل وجدل، باعتبار أن تحدي الابتكار وتحقيق الذات حاجة ذات نسبة متفاوتة بين البشر، إذ للأسف كثير منهم لا يقيم لها وزناً، باعتبار أن استيفاء الحاجات الأساسية أصبح هو الهم الأكبر والشغل الشاغل لسواد أعظم من الناس.
الفكرة في التذكير بهذا الهرم، هي محاولة مراجعة الاحتياجات التي يتضمنها وإخضاعها للتقييم من قبل كل فرد فينا، إذ بين الفترة والأخرى يحتاج الفرد لتحديد احتياجاته وإعادة ترتيبها حسب الأولويات، لكن الأهم معرفة ما هو متحقق منها من عدمه.
بغض النظر عن كثير من التحليلات العلمية القائلة بأن «هرم إبراهام ماسلو» يمكن انتقاده بسهولة من عدة جوانب، على رأسها مدى صحة ترتيبه للحاجات باعتبار أنها تختلف من شخص إلى آخر، بالإضافة لإغفاله جانب الحاجات الروحية والأمور عدم المحسوسة التي تدخل في الغيبيات مع ارتباطها بالإيمان والاعتقاد.
بعيداً عن التنظير ودهاليس التحليل الفلسفي، هرم ماسلو بالنسبة لكثير من الناس هنا في البحرين تحديداً، هو بمثابة «هرم مختل»، إذ أبسط الحاجات الأساسية مفقودة، وهذا رأي شخصي مبني على شواهد ومتابعات لحالة المجتمع، قد يتفق معي الكثيرون وقد يختلف بعض آخر.
هنا يمكن لأي شخص منا أن يقيم مدى تحقق حاجاته بإخضاع كل مرحلة للتقييم وماذا إذا كانت متحققة أم لا؟!
تدرج الحاجات في الهرم يبدأ من المرحلة الأولى المعنية بـ»الحاجات الفسيولوجية» والتي تندرج تحتها حاجات مثل: «التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن والإخراج». ولربما هذه المرحلة هي الأكثر تحققاً بالنسبة لغالبية البشر، بغض النظر عن النسبة والتناسب في مسألة «وفرة» الطعام والشراب.
المرحلة الثانية معنية بـ»الحاجات الأمنية»، وتندرج تحتها حاجات مثل: «السلامة الجسدية، الأمن الوظيفي، أمن الموارد، الأمن الأسري والصحي وأمن الممتلكات». وهنا بالنسبة للبحرين والوضع الراهن، يمكن الوقوف عند هذه الحاجات وقفات مطولة بل يمكن تأليف كتب وكتابة صفحات مطولة وإجراء استبيانات واسعة بشأن مدى إحساس المواطن بأن حاجاته الأمنية متحققة أم لا.
لن أسهب في هذه الجزئية، لكن يكفي أن نوجه السؤال أعلاه للمواطن بغض النظر عن ميوله السياسي واهتماماته الاجتماعية لنخلص إلى وجود خلل كبير في أحد أهم المراحل الأساسية من مراحل تحقيق «الاحتياجات البشرية».
المرحلة الثالثة معنية بـ»الحاجات الاجتماعية»، وتندرج تحتها الحاجات مثل: «الصداقة، العلاقات الأسرية، الألفة الجنسية». وفي أول حاجتين يتضح بأن لدينا شرخاً كبيراً، سواء أكانت بالنسبة للحالة بين أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع أو بالنسبة للعلاقات، ولكل ذلك أسباب عدة، لكن السبب السياسي الحالي هو المسبب الرئيس لكل شيء.
المرحلة الرابعة قبل الأخيرة (المرحلة الخامسة المعنية بالابتكار وتحقيق الذات تطرقنا لها أعلاه)، هذه المرحلة معنية بـ»الاحتياجات التقديرية»، وتحتها تأتي حاجات مثل: «تقدير الذات، الثقة، الإنجازات، احترام الآخرين والاحترام من الآخرين». وأيضاً هنا لو جئنا لنقيم سنجد مصيبة كبيرة مفادها أن كثيراً من هذه الحاجات فيها خلل شنيع، خاصة تلك المعنية بالتقدير أو زرع الثقة، أو الحرص على الإنجاز والاحترام المتبادل.
لا نقول ما نقوله من دافع إحباط أو تحبيط، أو نظرة من خلف عدسات سوداوية، بل من منطلق تشخيص لواقع نعايشه يومياً، معه يتضح بأن احتياجات المواطن متحققة بنسبة أقل من «حد الكفاف»، وأنه رغم ذلك يوجد في المقابل إدعاء (نعم أقول إدعاء) بأن أغلب الاحتياجات مستوفية، وأن كل عمليات بناء الذات والنجاح وتحقيق الرضا والدفع باتجاه تحقيق الذات والابتكار موجودة، في حين أن الواقع يقول عكس ذلك تماماً.
خلاصة القول هنا، وهي خلاصة نكررها للمرة الألف، تحقيق الرضا لم ولن يكون أبداً بالشعارات أو الوعود الكلامية بلا تطبيق فعلي، وتلبية احتياجات الناس بالأخص في المجتمعات العربية لا تكون أبداً عبر حراك فردي لكل شخص للاهتمام بما يريده لنفسه بنفسه، بل كلها عملية مبنية على استراتيجيات وخطط وأولويات والأهم إرادة تأتي في المقام الأول من قبل إدارة الدولة التي على عاتقها وضمن مسؤوليتها الاهتمام بالناس وتحقيق تطلعاتها ومساعدتهم لتطوير ذواتهم.
للأسف في البحرين تتحطم كثير من النظريات وتنسف كثير من الأدبيات، والثوابت المنطقية تصبح ضرباً من الجنون، وعليه فإن «هرم ماسلو» ليس مقلوباً لدينا، بل هرمه «منسوف منسوف منسوف!».