ردود فعل البعض على المبادرة الجديدة هي الإصرار على رأيه ورفضه تقديم أي تنازلات فهو يريد أن يكون المنتصر لأنه يعتبر أن الحق كله معه، هذا البعض يتوفر في الطرفين الأساسين في المشكلة البحرينية وليس في طرف واحد. أما الأخذ بهذا التوجه فنتيجته سالبة لأنه يعني استمرار السير في خطين متوازيين، وبما أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان لذا فإن نتيجة المبادرة ستكون صفراً وسنظل ندور في حلقة مفرغة وقد نعود إلى المربع الأول من جديد.
هذا لا يعني أن هذا البعض مخطئ، فمن حقه أن يشعر أنه لم يغبن وأنه حصل على حقه بما يليق به، ولكنه يعني أنه غير مرن، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى المرونة بل إلى مرونة كبيرة كي ننفد من هذه المشكلة.
ليس منطقاً الاستمرار في الحال التي صرنا فيها لأنها باختصار تعطل حياة الجميع، وبما أننا لسنا الوحيدين في التاريخ الذين حصلت لهم مشكلة لذا فإن الحل يمكن توفيره بالطريقة نفسها التي حل بها الآخرون على مدى التاريخ مشكلاتهم الكبيرة، وأساسها صدق النوايا وتقديم التنازلات، فمن غير هذا لا يمكن أن نصل إلى وضع النقطة في نهاية السطر ولن نتمكن من إسدال الستار على روايتنا.
لا بد من نقطة التقاء، فالسير في خطين متوازيين لا يمكن أن يوصل إلى تلك النقطة، وليس أفضل من هذه الفرصة التي وفرها جلالة الملك كي تتوفر لنا النقطة المبتغاة.
استمرار الحال على ما هو عليه يعني غياب الاستقرار، وغياب الاستقرار يعني تضرر الاقتصاد، وتضرر الاقتصاد يعني تعطل الحياة، وتعطل الحياة يعني بقاءنا في آخر الصف في وقت يتقدم فيه الآخرون من حولنا.
لا أحد منا يقبل بهكذا وضع وبهكذا حال لوطننا الذي ظل طويلاً في المقدمة. لا مفر من تقديم تنازلات وإن كانت بطعم السم، ففيها يتوفر الدواء. الجميع سيشعر بشيء من الغبن، والجميع سيخسر ما سيعتبره كثيراً ومؤلماً، لكن عزاءنا في أن الرابح هنا هو وطننا ومستقبل عيالنا.
لا أحد ينكر الأخطاء التي حدثت، ولا أحد يستطيع أن يقول إنه لم يتأثر بالأحداث التي مرت على مدى السنوات الثلاث الماضيات، ولا ينبغي لطرف أن يقول إن خسائره كانت أكبر فالخسارة شملت الجميع.
لقاء سمو ولي العهد بالأطراف المعنية خطوة شجاعة ينبغي تقديرها والاستفادة منها، ولقاء معالي وزير الديوان الملكي بالأطراف المعنية كلاً على حدة خطوة مهمة ومكملة، وما نتج أو سينتج عن تلك اللقاءات من قرارات ينبغي دعمها. مهم في هذه الفترة أن نبتعد قليلاً عن عواطفنا وأن نترك الساحة للدولة والسياسيين كي يقودوا العملية.
أثارتني تغريدات عديدة من البعض ملخصها أن الدولة غير جادة في المبادرة وأن الدليل على ذلك استمرار تعامل رجال الأمن مع ما يدور في الشارع من عمليات! الرد عليها بسيط وهو أن المبادرة لا تعني التوقف عن ضبط الحالة الأمنية ورجال الأمن سيتوقفون تلقائياً لو توقفت تلك العمليات، رجال الأمن لا علاقة لهم بالعملية السياسية وإنما بما يدور من أخطاء وتجاوزات يتضرر منها الأبرياء. مهمة رجال الأمن هي العمل على ضبط الأمن كي يسود، فعندما يحدث ذلك فإن من الطبيعي أن تتوقف ممارساتهم.
المطلوب من الجميع في هذه الفترة هو دعم مبادرة جلالة الملك والمساعدة على إنجاح الحوار، وهذا لا يكون بالإصرار على الرأي وإنما بوقف الحراك في الشارع والتهدئة. لا يمكن للسياسيين أن يعملوا في «الغولة».
قليل من الهدوء يلتقي بعدها الخطان المتوازيان.