لا يمكن أن نثق بأشخاص يسعون لتغيير الدستور بالتحالف مع مسؤول أمريكي بعد أن عجزوا عن تغييره بالتحالف مع قوى سياسية بحرينية. فالجلوس مع هذه المجموعة للحوار هو كشرب المر والحنظل (قالها الخميني حين اضطر أن يوقف الحرب مع صدام).
شيعة البحرين قبل سُنتها يرفضون التحاور مع هؤلاء، ليس دفاعاً عن ملك ولا دفاعاً عن شيخ ولا حماية لفساد كما يروجون، و لا هو حتى رفض لمبدأ التعديل والتغيير الدستوري، وإنما دفاع عن مشروع الدولة المستهدف، إذ يراد لنا أن نكرس عرف إمكانية تغيير وتعديل الدساتير عبر الضغط الدولي والإرهاب.
أما التغيير عبر المؤسسات الدستورية، فيجب أن يهدم كمبدأ ويستبعد من أجيالنا القادمة، هذا هو مشروعهم، تنازلوا عن مطالبهم الواحد تلو الآخر لأن المطالب ليست مهمة، المهم أن يتحقق مطلب -أياً كان- عبر إرغام الشعب البحريني على الجلوس معهم على طاولة الحوار من خلال التهديد والابتزاز بالإرهاب والضغط الأمريكي! حينها يكرسون عرف التغيير عبر «الخيانة» هكذا يهدم قوام الدولة وأساسها.
زخمهم أمريكي لا محلي، زخمهم إيراني لا بحريني، لم يملكوا القرار أيام الدوار حين جاءتهم الوثيقة بالمبادئ السبع، ولم يملكوا القرار حين طلب منهم الابتعاد عن المرفأ المالي، ورفضوا العرض الأول بعد أن قبلوه وغيروا المطالب في كل مرة، و دخلوا الحوار و انسحبوا منه. وعرضت عليهم لجنة تفعيل الميثاق ورفضوها فما الجديد؟ لذلك لا يمكن أن تستمر المحاولة الرابعة، فقرارهم ليس بيدهم، إن تم إرجاع مخرجات الحوار للسلطة التشريعية فإن ذلك يعد فشلاً لمشروعهم، لا يريدون حلاً و لا يريدون مخرجاً لأزمتهم، هم كالغريق الذي يتخبط وقد مسه الشيطان، وما هم سوى أحجار لرقعة شطرنج تحركهم الحسابات الدولية. فإن كانت الحسابات تقتضي غلق ملفهم فسيقبلون على الحوار، وإن كانت الحسابات تريدهم ورقة في جولة مفاوضات إيرانية أمريكية فسينسحبون، هم في ورطة الآن لا يعرفون كيف يتصرفون، فلا التوجيه واضح بالنسبة لهم ولا التوجه الدولي واضح أيضاً، و هم مجبرون على الدخول في هذه الجولة.
العقلية التي يدخلون بها للحوار للمرة الرابعة لم تتغير، هي ذاتها عقلية 2011، عقلية من يريد ممثلاً «دولياً» جالساً بقربه ليطمئن قلبه، عقلية من يقوم بجولة «دولية» للحصول على دعم من أجل فرض تغيير الدستور، عقلية فشلت في خلق أي تحالف بحريني بحريني، فشلت في كسب ثقة أي بحريني خارج تيار الولي الفقيه، رغم أنها أعطيت الفرصة لاثني عشر عاماً، أي منذ اليوم الأول الذي أشهروا فيه حزبهم السياسي، و مع ذلك فشلوا في كسب ثقة أي بحريني خارج تيارهم، اثني عشر عاماً فتتوا فيها البحرين وقسموها يزيديين وحسينيين، والآن جاؤوا لمحو هذا التاريخ بعبارة «إخوان سنة و شيعة»؟!
هم أقصوا حتى الشيعة، فما بالك بالسنة، حتى كثير من أبناء هذا التيار يرفضهم ولولا دعم فقيههم لهم لما قبلوا بهم يتحدثون باسمهم، فإن قبلت جمعيات الائتلاف والأطراف الأخرى للجلوس معهم فهو قبول الأم الحقيقية بالتخلي عن ابنها بعد أن هدد القاضي بقطعه نصفين.
عقلية قيادات الجمعيات الخمس وتوابعهم توقف نموها عند أدبيات التحرير والثورات والهدم، عقليات هرمة بقيت داخل صندوق النضال والكفاح المسلح وجبهات التحرير، رغم تبدل الأحوال وتغير الأدوات والميادين وشروط اللعبة، من أين لهم مهارات إدارة الدولة حتى يتفاوضوا عليها.
عقليات مصرة على أنه ما دام بالإمكان هدم الدولة القديمة في ستة أيام، فإنه بالإمكان أيضاً بناء دولة جديدة بعدها في ستة أيام أخرى!
ها هو حزب الدعوة في العراق الذي لم يكتف بإزاحة النظام والإطاحة به وإعدامه، هدم كل مؤسسات الدولة في ستة أيام لبريمر، واكتشف فيما بعد أنه عاجز أن يبني مؤسسة واحدة من تلك المؤسسات التي هدمها، حتى بعد مرور عشر سنوات على توليه زمام الحكم، مازال عاجزاً، وأدخل العراق في أتون حرب طائفية. والوفاق هي الفرع البحريني لحزب الدعوة العراقي فما الجديد؟
البحرين بحاجة لمشروع وطني يتجاوز هذه المجموعة التي احترقت أوراقها واحترقت وجوهها....
وللحديث بقية