ما حدث في مجلس النواب فيما يتعلق باستجواب وزير المالية، أمر يدعو للأسى لهذا الوضع الذي وصل إليه هذا المجلس والذي باتت المصالح المادية والشخصية، والعلاقات الخاصة والفئوية هي التي تحرك معظم أعضائه، وتطغى بدرجات على المصلحة العامة، ومصلحة شعب البحرين التي أقسم هؤلاء النواب على التضحية من أجلها حين أصبحوا تحت قبة البرلمان. فمع هذا الكم الهائل من الانتهاكات والتجاوزات المالية والإدارية، ومئات الملايين من الدنانير التي أهدرتها الوزارات والشركات من المال العام، والتي أثبتها تقرير ديوان الرقابة المالية وقالت عن بعضها لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس في تقريرها إن الكثير منها ترتقي الى شبهة فساد. مع ذلك فإن اللجنة المالية بالمجلس لم توص إلا باستجواب وزير واحد، هو وزير المالية وذلك نتيجة للمسؤوليات الكبيرة والمتشعبة التي يتولاها، فضلا عن بعد بعضها عن خبراته وإمكانياته. في الوهلة الأولى قلنا إن مجلس المصالح هذا لا يستطيع أن يستجوب أكثر من وزير في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية ببضعة شهور، والتي يحسب فيها نواب المصالح ألف حساب للأطراف التي تلعب أدواراً في إعادة توصيلهم إلى قبة البرلمان، وإبقائهم تحتها 4 سنوات أخرى.وأنهم - أي النواب- قد اختاروا وزيراً تغطي التجاوزات الفاضحة جميع جوانبه، بالإضافة إلى أنه ليس من وزراء الخدمات، وإنهم يتطلعون إلى نجاح استجوابهم اليتيم هذا، ومن ثم يتوسعون في عمليات الاستجواب التي ستمكنهم منها لجان التحقيق التي أوصت اللجنة المالية بتشكيلها للتحقيق في تجاوزات وزارات وشركات أخرى مثل مطاحن الدقيق! غير أن ما حدث من لعبة القط والفار التي مارسها النواب الأفاضل مع الورقة التي تحمل أسماء وتوقيعات المطالبين باستجواب وزير المالية، هذه اللعبة التي أدت إلى تقليص عددهم إلى النصف، ثم إلى سرقة أو بعبارة أخف، اختفاء ورقة الأسماء في ظروف غامضة تدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق. مسرحية القط والفأر هذه كشفت الوجه الحقيقي، وأزالت القناع عن وجوه بعض أعضاء مجلس النواب، فالذين طالبوا باستجواب وزير المالية، وهم قلة، كانوا جادين في هذا الاستجواب، والذين وافقوا على الفور على إضافة أسمائهم إلى أسماء المطالبين فعلوا ذلك باستعجال، ودون دراسة الموضوع من جوانبه، وخاصة الجوانب المؤثرة على العلاقات والمرتبطة بالمصالح الحالية والمستقبلية. وعندما اكتشفوا هذا التأثير وجاءهم من ينبههم الى ما يفعلون، ويحذرهم من عواقبه، قفزوا من مقاعدهم وتراكضوا يبحثون عن القائمة وبيدهم أقلام شطب وتغطية انتخابية، ولسان حالهم يقول: تقرير الرقابة مليء بالتجاوزات، وبشبهات الفساد، وهو ليس أول ولا آخر تقرير من نوعه، فلماذا نضيع مستقبلنا على استجواب وزير من ضمن العديد من الوزراء.والفئة الثالثة من النواب هي التي اتخذت قرارها منذ البداية بعدم الاصطدام مع الحكومة من أساسه، وعدم تزعيل أي وزير له علاقة قريبة أو بعيدة بالمصالح المستقبلية للنواب، والإبقاء على العلاقة الطيبة مع جميع المسؤولين في هذه الفترة من عمر المجلس، وبناء على هذه المعطيات قررت هذه الفئة من النواب اختطاف ورقة الأسماء وإخفاءها منعاً لحدوث الاستجواب. فئة رابعة قالت إنها لا تعتقد أن المخالفات المنسوبة لوزير المالية تقتضي إحالته للاستجواب، وإنها قد تطالب مستقبلاً بعمل لجنة تحقيق، فالأمر ليس أكبر من ذلك، ولا يجب أن يكون.في مرة سابقة قلت في هذا المكان، إن الحكومة أقسى على نفسها من مجلس النواب الناعم عليها، وهذه المرة أرى أن يتم تصحيح الوضع السائد، وربما في الدستور باتجاه أن يتولى شعب البحرين المغلوب على أمره تشكيل لجنة تحقيق «شعبية» مع مجلس النواب، ومن ثم الانتقال إلى استجواب نواب المصالح الذين غلبوا مصالحهم على مصلحة الشعب.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90