وقف العالم مذهولاً أمام أحداث أوكرانيا، ولم يكد يلتقط أنفاسه ليستوعب سقوط نظام فيكتور يانوكوفيتش إلا وقد أصبحت شبه جزيرة القرم ضمن ممتلكات روسيا القيصرية «الجديدة»، ليشق فلاديمير بوتين طريقه وسط غمار الأحداث كأقوى زعيم في العالم وأشدهم ذكاء في هذه المرحلة.
ماذا حدث في أوكرانيا؟ سؤال لا يمكن أن يكون جوابه ما شاهده العالم أجمع على الهواء مباشرة على شاشات التلفاز من احتجاجات جماهيرية ضد الرئيس الأوكراني السابق وتمكن المعارضة من إسقاطه، ثم استفتاء القرم على الانفصال وانضمامها لروسيا الاتحادية. الجواب الحقيقي كان في عيني القيصر فلاديمير بوتين اللتين كانتا تتوهجان بالدهاء والنصر المؤزر وهو يقرأ خطاب إعلان ضم القرم إلى روسيا.
فلاديمير بوتين هو سليل القياصرة ومؤسسي الاتحاد السوفيتي، وهو وريث الحرب الباردة في جيلها الثاني. لم يقبل بنهاية الاتحاد السوفيتي وتشرذمه وقضى فترات حكمة المتعددة يبني روسيا من الداخل منكفئاً على مشكلاتها الاقتصادية الداخلية، وبعد أن استجمع قواه أدرك خطر التغول الأمريكي وبدأ يظهر على ساحة السياسة الخارجية كقوة عظمى لها تحالفاتها الناهضة مثلها. وعرف مآرب الغرب من التدخل في أحداث أوكرانيا فدبر لهم أمرهم بليل وقلب ظهر المجن في أحداث أوكرانيا وحولها إلى وبال على أمريكا وأوروبا. وتركهم ومن ساندهم من الأوكرانيين يلعقون جراح شعاراتهم في الحرية والتقدم واللحاق بركب أوروبا المتقدمة.
أسبوع واحد في أوكرانيا لم يسقط فيه سوى بعض المحتجين حول البرلمان الأوكراني وجندي واحد أوكراني في القرم. لم تشتعل حرب أهلية بين العرقيات المتعددة في أوكرانيا أو القرم، ولم تظهر عصابات قطع الرؤوس وبقر البطون، لم تقم محاكم للخونة أو الفاسدين من العهد السابق، لم يتطرق أحدهم لتطهير الجيش الأوكراني من الـ20 ألف جندي الذين خذلوا الثورة ولم يتصدوا للتغلغل الروسي المباغت في القرم. لم يتحدث أحد عن مشروعية الانقلاب على الحكم الشرعي الذي وصل إلى السلطة عبر الصندوق. انتهت الأحداث الخطيرة والمؤثرة في موازين القوى وكأنها جلسة ساخنة في مجلس النواب!!
في المقابل، وفي أربع سنوات نزف الوطن العربي ما يزيد عن ربع مليون مواطن في سبيل الثورات. وانزلقت ثورات الحرية والديمقراطية إلى الثورة ضد الجيوش العربية، وإلى صيحات لتطهير القضاء، وإلى مطالبات بتجريم الإعلام. وانقسمت الأوطان إلى فلول وعملاء وجماعات مؤدجلة، واخترق الخطاب «المتخلف» الخطاب «التقدمي الحداثي»، وسالت شلالات الدماء وتطايرت الرؤوس في كل جانب. وتم الزج بشباب بريء في أتون حروب لا يعرفون غاياتها ولا تجارها وتم مواساتهم ومواساة أهلهم بمنحهم إفادة «شهيد» داخل أكفانهم حين يتم تسليمهم جثثاً لأهاليهم. ولم يجن العرب من كل ذلك غير لعبة الشعارات المتحركة الجدل غير المنطقية في تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر، والعودة قروناً طويلة إلى الوراء، والاستقرار في القرن الرابع الهجري حيث أغلق باب الاجتهاد، وفتح، عوضاً عنه، باب التسجيل لعضوية الفرقة الناجية من النار قبل حساب يوم القيامة.
في المقام المهيب لأحداث أوكرانيا، وأمام الحضور الطاغي للقيصر الجديد فلاديمير بوتين لا نملك إلا أن نقف دقيقة حداد على ضحايا الخريف العربي الذي أثبت أن عودة الحرب الباردة هي رحمة مهداة من الله إلينا، إلى أن نشب عن طفولتنا النزقة.
{{ article.visit_count }}
ماذا حدث في أوكرانيا؟ سؤال لا يمكن أن يكون جوابه ما شاهده العالم أجمع على الهواء مباشرة على شاشات التلفاز من احتجاجات جماهيرية ضد الرئيس الأوكراني السابق وتمكن المعارضة من إسقاطه، ثم استفتاء القرم على الانفصال وانضمامها لروسيا الاتحادية. الجواب الحقيقي كان في عيني القيصر فلاديمير بوتين اللتين كانتا تتوهجان بالدهاء والنصر المؤزر وهو يقرأ خطاب إعلان ضم القرم إلى روسيا.
فلاديمير بوتين هو سليل القياصرة ومؤسسي الاتحاد السوفيتي، وهو وريث الحرب الباردة في جيلها الثاني. لم يقبل بنهاية الاتحاد السوفيتي وتشرذمه وقضى فترات حكمة المتعددة يبني روسيا من الداخل منكفئاً على مشكلاتها الاقتصادية الداخلية، وبعد أن استجمع قواه أدرك خطر التغول الأمريكي وبدأ يظهر على ساحة السياسة الخارجية كقوة عظمى لها تحالفاتها الناهضة مثلها. وعرف مآرب الغرب من التدخل في أحداث أوكرانيا فدبر لهم أمرهم بليل وقلب ظهر المجن في أحداث أوكرانيا وحولها إلى وبال على أمريكا وأوروبا. وتركهم ومن ساندهم من الأوكرانيين يلعقون جراح شعاراتهم في الحرية والتقدم واللحاق بركب أوروبا المتقدمة.
أسبوع واحد في أوكرانيا لم يسقط فيه سوى بعض المحتجين حول البرلمان الأوكراني وجندي واحد أوكراني في القرم. لم تشتعل حرب أهلية بين العرقيات المتعددة في أوكرانيا أو القرم، ولم تظهر عصابات قطع الرؤوس وبقر البطون، لم تقم محاكم للخونة أو الفاسدين من العهد السابق، لم يتطرق أحدهم لتطهير الجيش الأوكراني من الـ20 ألف جندي الذين خذلوا الثورة ولم يتصدوا للتغلغل الروسي المباغت في القرم. لم يتحدث أحد عن مشروعية الانقلاب على الحكم الشرعي الذي وصل إلى السلطة عبر الصندوق. انتهت الأحداث الخطيرة والمؤثرة في موازين القوى وكأنها جلسة ساخنة في مجلس النواب!!
في المقابل، وفي أربع سنوات نزف الوطن العربي ما يزيد عن ربع مليون مواطن في سبيل الثورات. وانزلقت ثورات الحرية والديمقراطية إلى الثورة ضد الجيوش العربية، وإلى صيحات لتطهير القضاء، وإلى مطالبات بتجريم الإعلام. وانقسمت الأوطان إلى فلول وعملاء وجماعات مؤدجلة، واخترق الخطاب «المتخلف» الخطاب «التقدمي الحداثي»، وسالت شلالات الدماء وتطايرت الرؤوس في كل جانب. وتم الزج بشباب بريء في أتون حروب لا يعرفون غاياتها ولا تجارها وتم مواساتهم ومواساة أهلهم بمنحهم إفادة «شهيد» داخل أكفانهم حين يتم تسليمهم جثثاً لأهاليهم. ولم يجن العرب من كل ذلك غير لعبة الشعارات المتحركة الجدل غير المنطقية في تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر، والعودة قروناً طويلة إلى الوراء، والاستقرار في القرن الرابع الهجري حيث أغلق باب الاجتهاد، وفتح، عوضاً عنه، باب التسجيل لعضوية الفرقة الناجية من النار قبل حساب يوم القيامة.
في المقام المهيب لأحداث أوكرانيا، وأمام الحضور الطاغي للقيصر الجديد فلاديمير بوتين لا نملك إلا أن نقف دقيقة حداد على ضحايا الخريف العربي الذي أثبت أن عودة الحرب الباردة هي رحمة مهداة من الله إلينا، إلى أن نشب عن طفولتنا النزقة.