تخطئ الدولة خطأً قاتلاً إن هي حصرت خياراتها في خطوات تكتيكية لمعالجة أزمتها مع «جماعة الولي الفقيه» لا معالجة استراتيجية، وشتان بين الاثنين.ما تحتاجه البحرين هو موقف استراتيجي تجاه «الجماعة» يتجاوز بكثير مطالبة حزبها السياسي (جمعية الوفاق) بإصدار بيانات تدين العنف أو إعلان قبولها النزول في انتخابات 2014، معتبرة أن هذين القرارين ضمان وإقرار برضوخ الحزب للدولة واعتراف بها وتخلٍّ عن مشروع «الجماعة»، فالدولة هنا تمنح أنبوبة الأوكسجين التي تنتظرها الجماعة وهي تشعر بحصارها الخانق.الاستمرار في حصر التعامل مع الجماعة من خلال «الحزب السياسي» في البحرين (الوفاق) هو نظر قصير المدى لا يرى سوى تحت قدمه، فالحزب البحريني ليس سوى ترس ضمن التنظيم العالمي لجماعة الولي الفقيه، جزء من آلة ضخمة وأحد أجزائها هو الهيكلية التنظيمية للجماعة داخل البحرين، الذي يدور مع بقية الهياكل التنظيمية الأخرى في العراق ولبنان وسوريا في فلك للولي فقيه ومرشد للجماعة.وستبقى البحرين عالقة في دوامة العنف المستمرة منذ التسعينات إلى اليوم إذا بقي الخيار هو ذاته الذي اختارته البحرين منذ عام 2000، حين ظنت أنها قادرة على فصل الحزب السياسي عن الجماعة الأم وفشلت على مدى أربعة عشر عاماً. وإن منحت الدولة أنبوبة الأوكسجين للحزب من جديد دون حل الجماعة، فستبقى البحرين تخوض حرب استنزاف مستمرة ما بقي التنظيم.الحزب لا يستطيع أن يتحرك منفصلاً عن ترسانته الأم، وقد أعطيت «الجماعة» فرصة ذهبية على مدى أربعة عشر عاماً كي تنضوي تحت لواء الدولة ومع ذلك ضيعتها، وفضلت الإبقاء على مشروعها والعمل من الداخل على تحقيقه. لم يكن دخول الوفاق للانتخابات لفصلين تشريعين قراراً استراتيجياً بقطع علاقتها بالجماعة. لم يكن سوى قرار تكتيك هش مذبذب وسيظل، وستعود عنه في اليوم ألف مرة. هذا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكتبه الجماعة أبقى على جذوة الصراع، ودفعت الجماعة بسببه ثمناً باهظاً، بل دفع الشيعة الثمن معها حين اصطدمت الجماعة مع كل مكونات الدولة.ودفعت البحرين كذلك ثمناً باهظاً نتيجة تذبذب الموقف السيادي تجاه الفرع والأصل (الحزب والجماعة) فحصرت الدولة تعاملها مع الحزب السياسي وفقاً لقوانين ودستور مملكة البحرين، وغضت الطرف عن حراك الجماعة الذي أصر على أن يكون خارج نطاق القانون، فكان الحزب غطاء شرعياً لكل تجاوزات الجماعة. وعفت الدولة أربع عشرة مرة، وتغاضت عن ممارسات عدة مخالفة للقانون بما فيها جرائم 2011، وتنازلت عن حقها العام وحقوقها الدستورية في إلغاء كل الإجراءات القانونية التي طبقها المسؤولون بحكم اختصاصهم وصلاحياتهم. ونتيجة لهذا التغاضي وسياسة المهادنة وجدت الدولة نفسها أمام «دولة» لها قيادتها وعلمها ونشيدها وتنظيمها العسكري والمالي والسياسي والإعلامي ومناطق مففخة تحت سيطرتها، الدخول لها معركة يقتل فيها رجال الأمن! هذا النفس الطويل لم يخدم أمن واستقرار الدولة، وهدد أمن واستقرار المنطقة. مملكة البحرين الآن أمام واجب سيحدد مصير المنطقة بأسرها. عليها أن تتخذ قراراً استراتيجياً مهماً يشكل منعطفاً لها، تحدد من خلاله موقفها من مشروع المرشد الأعلى وجماعته، موقفاً يتجاوز مطالبة حزبها بإصدار بيان أو الإعلان عن دخول الانتخابات، بل يصل إلى موقف من «تنظيم» جماعة المرشد ولا يمس الطائفة، موقفاً يفصل الجماعة عن الطائفة فصلاً قانونياً يتعامل مع قياداته ومؤسساته بكامل أجنحتها. كل يوم تتأخر فيه البحرين باتخاذ هذا القرار هو تأجيل للمواجهة الحتمية. كل تأخير هو تقويض لأمن المنطقة لا أمن البحرين فحسب، كل تعطيل هو جدار يزداد سمكاً أمام عودة المياه والوحدة الوطنية بين فئات الشعب البحريني ولم شمله وإعادة لحمته. كل تأخير هو زيادة نفوذ واستشراء لهيكل الجماعة. كل تأخير هو تعطيل للتنمية على كل صعيد حتى على الصعيد السياسي وتطور التجربة الديمقراطية المدنية. إذ يبقى خيار الديمقراطية خياراً مصيرياً. ويبقى العمل الحزبي أداة مشروعة وواجبة ومطلوبة لمن شاء من المجموعات الشابة وإن كانت متدينة فلسنا ضد أن يتمتع الشباب بحقوقهم السياسية لمجرد كونهم متدينين سنة كانوا أو شيعة، على أن تشكل أحزابهم السياسية ومؤسساتهم ونقاباتهم بعيداً عن هيمنة أي مرشد معصوم ومؤله.واجب الدولة الآن، من أجل مستقبل البحرين ومن أجل أمنها ومن أجل تهيئة بيئة الوحدة الخليجية، أن تنضم للخيار الاستراتيجي الذي اختارته المملكة العربية السعودية والإمارات وأن تعلن عن جماعة الولي الفقيه جماعة محظورة، وتبدأ بتفكيك «ترسانة» الدولة الدينية التي أسستها «الجماعة» داخل مملكة البحرين تفكيكاً نهائياً، بمؤسساتها ومنابرها وماليتها وتحرر المواطنين من سطوتها في مناطق تحولت إلى كانتونات لنفوذها وملاحقة الدول الداعمة لها عربياً وإقليمياً ودولياً. والتحرك لا بد أن يكون على مستوى دول مجلس التعاون والدول العربية والإقليمية، فمشروع الجماعات المتشددة التابعة للمرشدين مشروع واحد والمصير والخطر واحد. على البحرين أن تنهي حقبة دولة للعلماء سادت لأربعة عشر عاماً تقوضت فيه دولة البحرين المدنية. عليها أن تتخذ القرار الآن حتى لا تضطر أن تتخذه بعد أربعة عشر عاماً أخرى.. هذا إذا بقيت الدولة!!