الاستعانة بمنظمات دولية لإعادة تسويق «المؤسسات الطائفية» التي تنضح منها الطائفية من رأسها إلى أخمص قدميها لن ينجح.
مدنية المجتمع تتجلى في أفراد يؤسسون مؤسسات قائمة على أسس غير طائفية وغير عرقية، وحدها تلك المؤسسات ووحدهم مؤسسوها لهم الحق في التحدث عن الديمقراطية وعن مبادئها وأهمها التسامح ونبذ الكراهية.
وللعلم.. عمر المؤسسات الأهلية في مملكة البحرين يعود إلى مائة عام حين كانت حتى التعليمية منها مؤسسات أهلية، ولطالما كانت المؤسسات الأهلية مظهراً مشرقاً من مظاهر المدنية في الدولة النظامية البحرينية خاصة منذ حقبة الخمسينات، حيث اختفت مظاهر الانقسام الطائفي «الأهلــي» فـــــي العمـــل المؤسســي ووجدنـــا الشيعي إلى جانب السني والمسلم إلى جانب المسيحي واليهودي في الأندية الرياضية والثقافية والفنية وفي مؤسسات الصحافة والجمعيات النسائية والعديد العديد من المؤسسات الأهلية، وصمدت تلك الحقبة الجميلة وصمد نسيج المجتمع إلى ما قبل عهد الميثاق، حتى مع قيام ثورة الخميني وظهور حراك طائفي للعلن للمرة الأولى أدخل السلاح وجنح للعنف في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية لم ينجح في تفتيت ذلك النسيج الذي عقد سترة بالمحرق والمنامة بالنويدرات وبني جمرة بالرفاع، تصدت دولة البحرين ومجتمعها ومؤسساتها المدنية لأكثر من محاولة لطأفنة المجتمع وانقسامه وظلت مؤسساته محتفظة بمظاهر المدنية وقاومت بشدة كل محاولات «الجماعة» التي بدأ نشاطها يتسع لهتك ذلك العقد، حتى جاءت حقبة التسعينات حين ظهر للعلن حراك سياســي «للجماعـــة» روج لفكرة احتكار المشهد السياسي وأقصى تاريخاً من النضال المشترك، ومنذ ذلك الحين والانشطار يزيد والهوة تتسع بين أطياف المجتمع البحريني، حتى جاءت حقبة الميثاق 2002 التي أتاحت للجميع فرصة المشاركة في الشأن العام والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية، وأتيح «للجماعة» أن تعمل على السطح سياسياً ونقابياً وخيرياً وثقافياً بلا تحفظ، فكانت جمعية الوفاق وهي حزب «الجماعة» أول حزب سياسي تأسس بعد الميثاق، وهو حزب أقصي فيه كل بحريني عدا المنتمين لفكر جماعة الولي الفقيه، حتى الشيعي من غير الموالين للجماعة لم يجد له حظاً فيها، وكانت أول صحيفة بعد الميثاق هي الوسط ولن تجد موظفاً سنياً واحداً يعمل فيها حتى اللحظة، ثم بدأت مرحلة الامتداد الأخطبوطي «للجماعة» لبقية المؤسسات المدنية، وظهرت مؤسسات حقوقية ومؤسسات رقابية مالية ومؤسسات خيرية ونقابية عمالية جميعها استحوذت عليها «الجماعة» لا لكثرتها إنما لجاهزيتها وتنظيمها ووحدة قيادتها، حتى جاءت الانتخابات البرلمانية والبلدية فظهرت الطائفية بأبشع صورها حين رفضت «الجماعة» أن تمكن بحرينياً واحداً من غيرها في قائمتها بناء على فتوى «حرمة التمكين» التي أطلقها فقيههم يحرم فيها تمكين ما سماهم بالعلمانيين، وهي فتوى تلتزم بها الجماعة في كل امتداداتها الجغرافية في إيران وفي العراق وفي البحرين، واختفى وجه البحرين المدني الجميل منذ ذلك الحين، اختفى ذلك الوجه الذي تأسست ونمت وتعايشت فيه جميع مؤسساتها المدنية بذلك النسيج الجميل، وتلك النماذج التي لا تعد ولا تحصى، وصورها تشهد وأعضاؤها الأحياء يشهدون بتلك الروح البحرينية الأصيلة التي سادت العمل المؤسسي، حينها لم تكن البحرين بحاجة لمفوضية دولية تجمع شمل أبنائها وتعلمهم معنى الحب والكراهية في ما بينها، كلها اليوم اختفت وتحولت إلى وجه انقسمت فيه المؤسسات إلى مؤسسات سنية ومؤسسات شيعية، النقابية منها والمهنية والخيرية والنسائية والسياسية.
هذه الصورة يعرفها أهل البحرين جيداً يعرفون تجذر الطائفية في تلك المؤسسات التي جلست كالحمل الوديع تسأل لماذا تكرهوننا؟ البحرين الصغيرة بمجتمعها الذي لا يزيد تعداده عن تعداد مدينة صغيرة في أي دولة يعرفون بعضهم بعضاً أفراداً وعوائل.
المجتمع البحريني يعرف انتماءات الفرد منهم الدينية والمذهبية دونما حاجة للاطلاع على بطاقة هويته «نجت مملكة البحرين والحمد لله من مطب التقسيم الطائفي في استصدار وثائق المواطن البحريني» إنما المنظمات الدولية والتي تأتي من الفضاء الخارجي للعمل على رأب الصدع البحريني والعمل على لم الشمل والعمل على إعادة اللحمة الوطنية السابقة، تنظر لمن يستجيب لدعوتها ويحرص على المشاركة على أنه مواطن بحريني «جود جاي» جاء ليشاركها خطاب نبذ الكراهية، دون أن تلتفت إلى تاريخ هذه المؤسسة وتكوينها وتشكيلها التي تبين حقيقة قبولها بالآخر وواقع قناعتها بنبذ الكراهية، وقد تقفز دون أن تقف عند تلك الأسئلة «البريئة» الحائرة في الوجوه «الصافية» التي تساءلت ببراءة منقطعة النظير، لماذا أقصتها وسائل الإعلام الرسمية بعد أن كانت ضيفاً دائماً عليها دون تحفظ إلى ما قبل 2011؟
كلمة أخيرة
إعادة اللحمة ولم الشمل وإعادة وجه البحرين الحضاري المدني الجميل لن يتحقق إلا بتفكيك مؤسسات «دولة الجماعة»، والإبقاء على مناخ الحريات والحقوق المدنية والسياسية من أجل إعادة بناء المجتمع على أسس مدنية كما كان.