عندما نريد أن نقيس مدى نجاح أي تجربة وآثارها على المجتمع، لابد من قياس مدى وعي ومعرفة الناس حول هذه التجربة وتأثيرها عليهم، ورصد مدى تأثير هذه التجربة على الناس.
التجربة البرلمانية في البحرين؛ هل يمكن أن نطلق عليها تجربة ناضجة أم أنها تجربة مازالت في مخاضها تحتاج إلى سنوات قادمة؟ أم مازالت تتصارع فيها المقومات الحقيقية لولادة تجربة سياسية ناضجة وناجحة وأنموذج واضح وراسخ للأجيال القادمة؟
لن أتكلم ماذا حقق المجلس النيابي للشعب وللمجتمع وما لم يحققه، ولن أتكلم عن الوعود الواهية التي أقسم عليها النائب للمواطن البحريني أيام الانتخابات من أجل حياة كريمة، ولن أتكلم عن حقيقة دور المجلس النيابي ولماذا أنشئ. ففي ظل ما شاهدناه وسمعناه من نواب سابقين نستشف أن المرشح مازال في مرحلة الحضانة، والبعض منهم مازالوا خدجاً يحتاجون إلى جرعات ومكملات معرفية لدور النائب البرلماني، ومنشطات تحرك عندهم روح المسؤولية وروح المصلحة العامة وحب الوطن لا حب الذات. ففي الوقت الذي تتبلور فيه الحياة السياسية في البحرين وتشق مرحلة جديدة وجريئة، وقوة مندفعة لجعل الحياة السياسية مستقرة، إذ بقوى أخرى ترجعنا إلى نقطة البداية وتهوي بنا وبكل قوة على أرض شائكة، يتبدد فيها رجاؤنا ويقيننا من المجلس النيابي.
لو سألت اليوم أي مرشح يستعد لخوض انتخابات المجلس النيابي، ما الذي تريد أن تحققه في المجلس؟ لأجاب على الفور؛ العيش الكريم لكل مواطن. ولو سألته؛ ما خطتك الانتخابية؟ لسرد لك قصة كل بحريني يأمل في بيت ووظيفة وراتب يضمن له حياة طيبة له ولأسرته، ورفاهية الدول الشقيقة، وتلك جميعها إجابات معروفة يقصد منها الاستمالة العاطفية للفوز في الانتخابات.
ولكن لو بدلت السؤال بآخر؛ ماذا يعني لك المجلس النيابي؟ لأجاب بكل فخر واعتزاز؛ الراتب المغري، السيارة، السفر للخارج على أنها رحلة عمل. هذا هو ترتيب أولويات المرشح للمجلس النيابي، وهذا ليس تخميناً ولكنه واقع. وهذه النوعية من المرشحين تعكس لنا مدى هزلية المجلس النيابي، ورخاوة مخرجات الانتخابات البرلمانية.
غياب المعارضة عن قبة البرلمان يجعل من المجلس على سجية واحدة أو نمط لا يتغير، وغياب المعارضة لا أعني بها وجود المعارضة الإرهابية في المجلس النيابي، بل أعني معارضة حقيقية يهمها الصالح العام وليس طائفة على طائفة وليس مذهباً على مذهب، بل معارضة تقوم بدور التقويم والتشريع الصائب والمهم من أجل المواطن، والارتقاء به في الجوانب الاجتماعية والسياسية. فوجود مرشحين من المعارضة، فرصة لتنقية المترشحين، فالمجلس النيابي ليس ساحة لتحقيق الأمنيات الشخصية، وإنما قبة شامخة تضم خيرة أبناء الوطن، هم النخبة كما هم في مجلس الشورى.
الكثير منا يجد أن وجود المجلس النيابي أو عدم وجوده، لا يعني لهم شيئاً غير أنه يضم مجموعة من النواب يلبسون ثياباً غير مفصلة لهم، وهي ليست بثيابهم، غير أن القانون أجاز لهم وأعطاهم حق الترشيح وفق شروط معينة. وأظن أن على الحكومة أن ترفع من الشروط للمتقدم للترشيح، ونحتاج نحن أيضاً كناخبين أن نرفع من مواصفاتنا للمترشح، فهو في الأخير صوتنا ومن يقرر عنا، إذاً فاللوم يقع علينا في سوء اختيارنا للنائب المناسب.
بالأمس، كنا نطالب بحياة ديمقراطية وحياة سياسية حقيقية، وكنا نطالب بهذا المجلس بكل قوة، واليوم وقد تحققت تلك المطالب وبتنا كما تمنينا، فأين دورنا في إنجاح الدور الحقيقي لمجلس النواب، وماذا نعمل كي تنضج الحياة النيابية لا أن تموت، وأين يكمن دورنا في إيقاف المرشحين العشوائيين في القبة البرلمانية. فالمجلس النيابي أصبح أشبه بالمعادلة الصعبة، ما بين الناخب والمرشح، وأشبه بالمتاهة التي تحتوي على عدة طرق معقدة، ويتطلب ذلك إيجاد الطريق الصحيح للوصول للنهاية، ونحن مع المجلس النيابي نريد أن نصل إلى النهاية السعيدة لا أن نتوه في متاهة النواب.