لنتصور معاً المشهد التالي؛ مجموعة من الشباب يرتدي كل منهم بنطلون جينز وفانيلة بيضاء وعصابة حول الرأس، يسيرون في طابور عسكري وهم ملثمون ويحملون أعلام ما يسمى بـ«ائتلاف فبراير». ولنتصور أيضاً المشهد التالي؛ صور للرموز تم وضعها على الأرض لتداس بالأقدام. وكذلك هذا المشهد؛ هتافات تنادي بالثأر والقصاص وإسقاط النظام.
هذه المشاهد الثلاثة تم رصدها بكاميرات المشاركين في مسيرة تشييع صبي سترة الذي توفي قبل أيام أثناء مواجهات بين متظاهرين كانوا يشاركون في تشييع جنازة متوفى.
والآن لنسأل؛ في أي بلد من بلدان العالم يمكن أن يحدث كل هذا؟ ميليشيات ملثمة ترفع أعلام منظمة غير مسجلة تسير متحدية في عرض عسكري، وصور رموز البلاد تداس بالأقدام في مسيرة مخصصة لتشييع متوفى، وشعارات بإسقاط النظام ترتفع وهتافات تطالب بالثأر والقصاص، لو أن هذا حدث في واحد من البلدان التي تؤخذ كمثال للحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان؛ هل سيسكت عنهم ويقال دعوهم يعبرون عن رأيهم وموقفهم ولا بأس لو حصلت فوضى وتعرض الآخرون للخطر وارتبكت حالة الأمن؟
الأكيد أن أياً من بلدان العالم ومهما كان حجم الشعارات التي ترفعها و»تفوشر بها» لن تقبل بمثل هذا الأمر، وستتعامل مع من أخرج مسيرة التشييع عن خطها بكل قوة وحزم، ولن تكون مسيلات الدموع إلا أحد خياراتها.
ليس مقبولاً تحويل مسيرة تشييع متوفى إلى مظاهرة يتم خلالها رفع شعارات سياسية ويطالب فيها بالقصاص والثأر وشحن المشاركين فيها ليصيروا وقوداً لمواجهات بين طرفين غير متكافئين من حيث القوة. كما إنه ليس معقولاً تضمين مسيرة التشييع استعراضات عسكرية لمجموعات مخالفة للقانون وتشكل خطراً على الأمن والمجتمع.
الصحيح هو القيام بواجب التشييع بالطريقة المعهودة والتي يحكمها الشرع والعادات والتقاليد، حيث في هذه الحالة لا يمكن لرجال الأمن إلا أن يقفوا بعيدين، لأنه باختصار لا يوجد أي سبب لتدخلهم، فالأمن لم يختل، ذلك أن رجال الأمن لا يتدخلون إلا عندما يرون أن المسيرة قد خرجت عن مسارها وصارت تؤثر سلباً على الحالة الأمنية وتعرض حياة الآخرين للخطر.
كان المنطقي الفصل بين مراسم التشييع والدخول في مواجهة مع رجال الأمن لو كان ذلك من ضمن برنامج مقرر سلفاً، على الأقل كي لا يستغل اسم المتوفى استغلالاً سيئاً ويتم الربط بين تشييعه وبين معركة تصفية الحسابات مع رجال الأمن.
ما حدث السبت الماضي هو أن المشاركين في مسيرة تشييع الصبي المتوفى خرجوا عن المتفق عليه، والذي من شأنه أن يفي بالمتوفى وذويه حقهم، وافتعلوا أموراً كي يجدوا العذر في الدخول في مواجهة مع رجال الأمن، والدليل أن قنابل المولوتوف كانت جاهزة للاستخدام «أي أنها لم تكن طازجة»! وكانت الأقنعة التي يتم تغطية وجوه المشاغبين بها «من غير العسكريين» مخزنة في جيوبهم، بينما الحجارة وحاويات القمامة متوفرة من الأساس في الشوارع التي اعتبرت ساحات للمعركة.
مسيرة تشييع المتوفى تم التخطيط لاستغلالها من قبل البعض، فتحولت إلى مظاهرة سياسية غير مرخص لها رفعت خلالها شعارات بإسقاط النظام وتم التعدي لفظياً وبصور أخرى على القيادة، وتم شحن المشاركين فيها إلى الحد الذي جعلهم يتحولون سريعاً إلى مشاغبين مؤهلين للدخول في مواجهة شرسة مع رجال الأمن.
أما ما تلا المواجهات فصار معروفاً؛ تصوير لدخان مسيلات الدموع بما يظهر وكأن المنطقة قد أغرقت بها، ونشر الصور مع الأخبار المنحازة ضد الحكومة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الفضائيات السوسة والمواقع الإلكترونية المساندة.
هل من عاقل بين كل هؤلاء يتقبل قولاً ملخصه أن ما يقومون به خطأ؟