تصريحات وكيل وزارة العمل صباح الدوسري التي أدلى بها لصحيفة «الوطن» مؤخراً جاءت بمثابة نداء منه لإنقاذ مشروع إصلاح سوق العمل من بلوغه حافة الفشل بالنظر إلى استيلاء العمالة الوافدة على أكثر من 90% من الوظائف التي تتوفر في سوق العمل في حين تكافح الحكومة وتصرف الملايين من أجل إيجاد وظائف برواتب أقل للجامعيين.
مما قاله وكيل وزارة العمل في هذا الصدد: إن المهن الفنية والخدمية هي الأكثر طلباً حالياً في سوق العمل، وإن التدريب المهني هو العمود الفقري لإصلاح سوق العمل وإيجاد وظائف للباحثين عن عمل، وإن معرض المهن والمعارض الأخرى تعطي صورة واضحة حول طبيعة الوظائف في سوق العمل ما يؤكد الحاجة إلى وظائف مهنية أكثر منها أكاديمية إذ إن هناك عدم توازن في الباحثين عن عمل بين نوعي الوظائف، ما يستوجب الحاجة إلى توظيف المواطنين بصورة فعالة في الوظائف الفنية والخدمية.
نداء صباح الدوسري هذا، جاء بمثابة الخلاصة التي توصل إليها بعد سنوات طويلة من عمله في وزارة العمل وتدرجه في وظائف متعددة في شؤون العمل والتوظيف والمشكلات التي تواجهها وزارة العمل، والدور الذي تقوم به هيئة سوق العمل وأختها هيئة صندوق العمل «تمكين» ومدى نجاحهما في توفير الوظائف للبحرينيين وجعل البحريني العامل المفضل لدى صاحب العمل في القطاع الخاص.
أضف إلى ذلك أن صباح الدوسري يشغل اليوم كذلك رئاسة اللجنة العليا لتوظيف الجامعيين، وهي ليست اللجنة الأولى من نوعها، ولكنها من حيث المهمة والمتابعة بعد التوظيف مختلفة عن اللجان التي سبقتها.
ما لفت نظري في تصريح صباح وأعجبني كذلك أنه في الوقت الذي يترأس لجنة حكومية «لتوظيف الجامعيين أو الأكاديميين» نراه يحث شباب البحرين الباحثين عن عمل على ألا يتوجهوا أكثر من ذلك نحو الدراسة الجامعية إذا ما أرادوا الحصول على وظائف مطلوبة لسوق العمل وللتنمية الاقتصادية والصناعية في البحرين، وتدر عليهم رواتب مجزية وأكبر من تلك التي تدرها الوظائف الجامعية.
وكما يقول صباح هنا: «إن التوجه الأكاديمي جيد ولكن الفائض منه مشكلة، فالخريج الجامعي يحتاج لأربع سنوات قبل أن يتم توظيفه براتب بين 400-500 دينار بينما البرامج المهنية لا تحتاج إلى ربع ذلك وتبدأ رواتبها بـ 600 دينار، مؤكداً أن مخرجات معهد البحرين للتدريب جيدة ومطلوبة مباشرة في سوق العمل ويصل الحال أحياناً إلى توظيفهم قبل التخرج»...
النداء أو الدرس الذي خلص إليه وكيل وزارة العمل سبق أن انتهى إليه وطالب به في منتصف الثمانينات من القرن الماضي الدكتور جليل إبراهيم العريض الذي قال في مقابلة صحفية أجريتها معه حول الموضوع نفسه: «إن التوجه للمزيد من مخرجات التعليم الجامعي سيؤدي إلى إغراق سوق العمل بالضباط في ظل غياب أو وجود ضباط الصف والجنود بأعداد قليلة جداً، إن سوق العمل في البحرين لا تحتاج إلى غالبية ضباط (جامعيين) وإنما إلى أغلبية من ضباط الصف (الفنيين) والجنود (العمال المهرة) وإلى الكليات الصناعية ومراكز التدريب وليس إلى الجامعات».
غياب أو عزوف البحرينيين عن الالتحاق بالمهن الفنية والخدمية منذ ذلك الوقت ربما بسبب «ثقافة المجتمع التي مازالت تحول دون دخول البحرينيين في هذه المهن رغم أجورها المجزية ورغم عدم وجود نقيصة فيها» كما يقول صباح الدوسري، وربما لعدم وجود سياسة عامة لدى الدولة مدعومة بدراسة لسوق العمل وبخطة لتحقيق الإحلال في هذه الوظائف الفنية والخدمية التي استغلت العمالة الأجنبية ابتعاد البحرينيين عنها وسيطرت عليها بشكل شبه كامل.
وبعيداً عن البكاء على اللبن المسكوب، فإن على مجلس الوزراء وعلى مجلس التنمية الاقتصادية، ومن خلال بنك البحرين للتنمية وصندوق العمل «تمكين» أن تعمل هذه الجهات مجتمعة على إعادة إصلاح سوق العمل من جديد وذلك بتوجيه «تمكين» وبنك البحرين للتنمية نحو دعم برامج معاهد التدريب التي تخرج البحرينيين المتخصصين في الوظائف الفنية والخدمية، وتركيز منحهم القروض ومنح التطوير إلى البحرينيين الذين يودون تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة تدربوا على تخصصاتها ويتعهدون بالعمل فيها بأنفسهم وليس تملكها وتسليمها للآسيويين يديرونها ويمارسون أعمالها.
إن لدينا اليوم الكثير من المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة وفي مجالات متعددة بينها الصناعات التحويلية، وهي مؤسسات ممولة ومدعومة فنياً وإدارياً من تمكين وبنك البحرين للتنمية وجهات أخرى، لكن هذه الجهات الممولة والداعمة لم تقم بالتفتيش عليها للتأكد من أن العاملين فيها من البحرينيين بنسبة 80% على الأقل وهو الهدف الرئيس لحدوث التمويل والدعم، والتأكد بعد ذلك من أن مدراء الموارد البشرية في هذه المؤسسات وتلك التي تحت مظلة هيئة سوق العمل من البحرينيين فقط فهؤلاء المدراء هم مفاتيح البحرنة وضماناتها.