لعل من أفضل المشاريع التي طرحتها وزارة الإسكان في الآونة الأخيرة هو مشروع «برنامج تمويل السكن الاجتماعي»، وهو مشروع متجدد وحيوي، يمكن أن تستفيد منه عدة جهات رسمية وغير رسمية، لكن من المفترض أن يكون المستفيد الأول منه هو المواطن الباحث عن «منزل العمر».
ما هو برنامج تمويل السكن الاجتماعي؟ حسبما ورد في تعريفه الرسمي هو «أحد المبادرات الجديدة التي تطرحها وزارة الإسكان بالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير السكن الاجتماعي للمواطنين المدرجة أسماؤهم على قوائم الانتظار، وتقوم فكرة البرنامج على أساس قيام المواطن المدرج اسمه على قائمة الانتظار بوزارة الإسكان بشراء وحدة سكنية من خلال الحصول على تمويل من أحد البنوك المشاركة مع توفير دعم مالي حكومي لتغطية الأقساط الشهرية، على أن تقوم وزارة الإسكان بتغطية المتبقي من القسط الشهري الذي لا يتجاوز قيمته عن 25% من إجمالي دخل المواطن لتسديد مبلغ التمويل للبنك المتعاقد معه».
أي مشروع لا يمكن اختباره إلا بعد التجربة، وأي عيوب فيه لا يمكن أن تظهر على السطح إلا بعد التنفيذ الأولي للمشروع، وهذا ما جاء وفق شهادات من أرادوا الاستفادة من هذا التمويل، وهم يملكون مجموعة من المؤاخذات الحقيقية يمكن النظر إليها بكل واقعية وأن تؤخذ على محمل الجد، فما سنطرحه من نقاط سلبية حول هذا المشروع، يجعل العديد من المواطنين ينتظرون رد وزارة الإسكان حولها، خصوصاً أنهم سيدفعون كل ما يملكون في هذا المشروع. نستطيع أن نجمع هذه المؤاخذات البالغة الأهمية في النقاط التالية:
-1 محدودية الدعم عند 90 ألف، يدفع فيها المواطن 9 آلاف مقدم وربع راتبه لمدة 25 سنة، وقد ترفع الحكومة الدعم في أي وقت تراه، حسبما جاء في بنود العقد.
-2 العقارات المعروضة ارتفع سعرها بطريقة جنونية وبشكل غير مبرر، حتى من دون وجود رقابة مباشرة من الدولة، ومن هنا يكون السؤال؛ ما هي الفائدة المرجوَّة من هذا المشروع الذي سيستفيد منه المكتب العقاري وتجار العقارات قبل المواطنين؟ وأين الرقابة على المكاتب العقارية في سوق العقار؟
-3 عدم وجود إشراف هندسي حقيقي لاختبار العقار (البيت) من طرف وزارة الإسكان، فقد اكتشف بعضهم وجود مشاكل هندسية في البيت الذي اختاروه، وبالتالي سيتحملون مسؤولية إصلاح تلك المشاكل الفنية المكتشفة لاحقاً.
-4 نشرت وزارة الإسكان في الصحف بدء المرحلة الثانية من المشروع برفع سعر الوحدة إلى 120 ألف، والواقع أنه لم ترفع سعر الدعم هنا، بل رفعت قيمة القرض، وبالتالي يتحمل المواطن دفع الأقساط من قيمة «الفرق».
-5 حين أعلنت وزارة الإسكان رفع سعر الاستفادة من السكن الاجتماعي، مما أوحى للمطورين العقاريين أنها ستسلم المواطنين المبالغ لشراء الوحدة العقارية، فقاموا برفع الأسعار بصورة كبيرة جداً، دون وجود رقابة من طرف الممول الرسمي للمشروع «الإسكان».
-6 حصر الاستفادة من القروض في بنوك معينة، وهذه عقبة يجب أن تذلل في وجه الكثير من المواطنين، وكذلك في طريق البنوك.
-7 يفرض على المواطن المستفيد من المشروع، تأمين القرض بمبلغ إضافي، وهذه التزامات غير محسوبة قد ترهقه كثيراً.
-8 بعض البنوك التي حددتها وزارة الإسكان لم تخطط لتمويل أي مستفيد من السكن الاجتماعي، بل إن بعض الموظفين في تلك البنوك لا يعلمون لحد الآن، ما هي الآلية المتبعة بين الإسكان والبنك في تغطية إجراء المستفيدين!
-9 تعلم وزارة الإسكان المواطن المتقدم للمشروع بأنه سيتم تجديد بياناته البنكية كل عامين حتى تصل لمرحلة رفع الدعم عنه، ليتحمل المواطن بعد ذلك تسديد قرضه منفرداً، وهذه من أكبر الهواجس التي يتحسس منها المستفيد قبل توقيعه عقد الموافقة على المشروع.
-10 عملياً وإعلامياً، سيعتبر المواطن هو المستفيد الأكبر من الخدمات الإسكانية عبر مشروع السكن الاجتماعي، على الرغم من أنه يتحمل الجزء الأكبر من القرض، كما إنه مهدد في أي وقت برفع الدعم عنه، كما ذكرنا لاحقاً.
هذه بعض المؤاخذات المهمة التي استطعنا لملمتها من بعض الذين يريدون الاستفادة من مشروع تمويل السكن الاجتماعي هذه الأيام، وأنهم في انتظار رد وزارة الإسكان على إشكالياتهم، حتى تكون الصورة واضحة لدينا جميعاً، وحتى يكون المشروع غير ملتبس بلبوسات وهمية أو مضرة بأموال المواطنين، فحفظ حقوق المواطنين وأموالهم، هي مسؤولية الدولة ممثلَة بوزارة الإسكان، قبل أية جهة أخرى.