محاولات الدولة «لاسترضاء» ماكينة تبييض الإرهاب «المجلس العلمائي وجمعية الوفاق وجريدة الوسط ومجموعة وسطاء خارج العمل المؤسسي» هي محاولة للخروج عن أسس ومعايير الميثاق الوطني والدستور.
فالدستور والميثاق وضع أسس واشتراطات تولي المناصب التنفيذية والقضائية وأسس واشتراطات الترشح للانتخابات النيابية والبلدية، ولا يحق لمن نادى وعمل على إسقاط الدستور والميثاق أن يقترب سنتيمتراً واحداً من تلك المواقع ما لم يعلن أنه كان على خطأ، وأنه حين سيقسم على القرآن مرة أخرى لن يكون كاذباً وخائناً للدستور مرة أخرى.
ممكن أن تكون محاولة تقريب بعض الأفراد أو منحهم المناصب هي لعبة سياسية، وطعم لهم في محاولة لحرق أوراق بضعة من السماسرة السياسيين، لكن الخسائر المترتبة على مثل هذه السياسة تتجاوز بكثير فائدة حرق بعض الأسماء، وليس التوزير فقط هو الطعم الذي يلقى لسماسرة السياسة، إنما حتى «التقريب والتقلط» أيضاً طعم يرمى لهم.
إن الدولة إنما تساهم في عملية تبييض الإرهاب بنفسها، هنا إن هي استمرت بتقريب من بيض وغسل العمل القبيح الذي قام به رعاة الإرهاب، إنها تعيد تسويق الذي أراد إسقاط الدستور، وتنسف بيدها الأسس التي اعتمدها الدستور لتولي تلك المناصب، إنها عملية إقصاء نهائية لكل من آمن بالدستور إيماناً استلزم الدفاع عنه بالروح وبالدم، عملية استرضاء دعاة إسقاط الدستور تضفي بها الدولة الشرعية على رعاة الإرهاب وحماته ومسوقيه دولياً، والدولة تعطي رسالة للشعب البحريني أن الإرهاب يكسب في النهاية، وأن هذا الدستور إنما هو حبر على ورق.
نصيحة في أذن الدولة .. لا يجب أن ينظر إلى غضب الناس واستثارة مشاعرهم على أنها مشاعر «غيرة وحسد» ذلك تفسير تقليدي لا ينظر بشمولية، إن استياء المجتمع إنما هو للمعايير وللقيم التي على أساسها يتم اختيار دائرة المستشارين والقيم والأسس التي يتم على أساسها اختيار من سيعين ويحمل منصباً تنفيذياً، إنها أسس تنسف ما جاء في الدستور نسفاً تاماً وتضع من نادى بإسقاط الدستور ورموز الدولة في سلة واحدة.
عموماً سياسة استرضاء الأفراد سياسة مكلفة مادياً وسياسياً لأي نظام سياسي، سياسة أثبتت فشلها وأثبتت أنها تحرق أوراق المستفيدين لكن تبقى الهوة والفجوة قائمة بين الدولة وبين الجماعات، ولا يستفيد منها غير سماسرة السياسة، فالنتيجة الكارثية الأكبر أن المجتمع بكل مكوناته يكفر بالدستور والميثاق وبالقانون وبالمؤسسات لأنها تحيل تلك «المرجعيات» التي كان من المفروض أن تكون حكماً بينهم وبين الدولة وتنظم علاقتهم بها كمواطنين، تحيلهم إلى حبر على ورق، تحيل القانون إلى أثير في الهواء بخرته سياسة استرضاء الإرهابي والمحرض والمخرب والمجرم، وتحول المؤسسات إلى سراب لا وجود لها.
لو تراجعت الدولة قليلاً عن سياسة «التقريب والتقلط والمكافآت» تلك السياسة القديمة التي كانت ذات فائدة لحفظ التوازنات إلى ما قبل عهد التغيرات الذي قفز فيه الأفراد والجماعات على حدود الدولة وحدود النظام وأصبحوا يطالبون بالقانون الدولي مرجعية لهم، وأعطت فرصة للقانون الوطني وحده أن يحكم بين الناس، ولمؤسسات الدولة الوطنية وحدها، ولقوانين السوق وحدها ولخيارات الناس وحدهم أن يديروا الشأن العام بها، لحفظت مالها والمال العام وحفظت حكمها وحفظت للدستور مكانته وللميثاق الوطني مصداقيته، ولأمن الناس على أنفسهم، وتركوا للقانون أن يحكم بينهم وانتفت الحاجة للسماسرة... إنها خسائر على الفاضي .. وخسارة لمكانة الدولة وهيبتها.
«على فكرة .. استرضاء ماكينة تبييض الأموال لا علاقة لها باسترضاء الشيعة، فتلك امتيازات منحت لأفراد لا ينال منها الشيعة كطائفة شيئاً، بل بالعكس كلما استفادت ماكينة الإرهاب خرجت لشارعها وحرضته ضد الدولة أكثر، فتزيد الهوة اتساعاً وتزيد الماكينة استفادة، فالماكينة عرفت نقطة الضعف، عرفت أن محاولات الاسترضاء تزيد كلما زادت عملية التبييض، فتمادت، وكلما زادوا في الترويج للإرهاب وكلما زادوا في التضليل وكلما زادوا بالتحريض والكذب، جاءتهم الرسائل الترحيبية وجاءهم التقدير وجاءهم التقريب، سوقهم هي هذه الفجوة التي بين الشيعة وبين الدولة فإن هم ردموها انتفت الحاجة لهم وانقطع عنهم «الرزق»».