في الوقت الذي تتحاور فيه مختلف القوى والتيارات المتصارعة في لبنان واليمن ومصر وتونس وليبيا.. وفي الوقت الذي تلجأ فيه القوى السياسية في إيطاليا واليونان وتركيا وحتى في إسبانيا وأوكرانيا واليابان إلى الحوار لحل خلافاتها الداخلية وحيثما كان هناك خلافات أو معضلات سياسية أو جيوسياسية.. فيبدو من غير الحصافة الوقوف ضد مبدأ الحوار في البحرين.. وبين أهلها.. وتياراتها السياسية والاجتماعية والفكرية.. فمهما كانت آلياته وأدواته، يبقى أفضل من الاحتراب أو السجال الذي يضع أمن البلاد والعباد على محك الاختبار والعبث والمساومة.
وإذا كان هناك من يخشى شيئاً من الحوار الوطني المفتوح والمتعادل والشامل، فيفترض أن تكون هذه الخشية لدى الجهات والتيارات التي تنحاز للعنف والتخريب والإرهاب..وليس لدى الجهات والتيارات التي لطالما كانت دائماً إلى جانب الشرعية والعدالة والأمن والاستقرار والتنمية.
والحال أن اتخاذ موقف رافض للحوار الوطني من قبل أن يبدأ هذا الحوار هو نوع من التنجيم السياسي المتسرع؛ ولون من القفز في الظلام؛ وشكل من أشكال رفض المبادئ على حساب الانطباعات. كما إن اتخاذ موقف متفائل جداً وتبسيطي من حوار لم يبدأ بعد، هو محض خداع للنفس قبل أن يكون خداعاً للآخرين.. وفي كل الأحوال فالرؤية الحكيمة والعادلة والصادقة مع نفسها في هذا السياق ينبغي أن تنطلق من الوعي بأن علينا وقبل كل شيء أن ندرك ونعترف بحاجتنا في البحرين إلى حوار وطني شامل وجاد ومتوازن ومتعادل، ثم حوار قادر على الخروج بالبلاد من ظلال الأزمة وتداعياتها واستحقاقاتها.
والحقيقة الأكثر جلاء في هذا المضمار، أننا وفي كل الحوارات الوطنية التي خضناها منذ انطلاقة العهد الزاهر لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، نجحنا في تحقيق خطوات جيدة نحو التطوير والإصلاح والتغيير الإيجابي، وبالتالي فليس ثمة داع للتخوف أو التوجس من أي حوار وطني يرعاه الديوان الملكي وينطلق بمبادرة سامية من عاهل البلاد وقائدها. إن تضخيم المطالب والمبالغة في رفع سقفها هو نوع من الخطاب السياسي الذي لا يتقصد الطرف المحاور بقدر ما يتقصد القواعد الشعبية التي تساير الطرف صاحب هذا النوع من المطالب العالية السقف والتي قد تبدو غير معقولة بالمطلق. ولكن حقائق التاريخ والتجارب المماثلة في حوارات ووقائع مماثلة تشير إلى نماذج عديدة مشابهة وتجارب كثيرة مارست نفس اللعبة بهدف تحقيق اختراقين على جبهتين: الأول هو الاختراق الوجداني والعاطفي على جهة المؤيدين من الكوادر والأتباع والرأي العام، إذ من غير المعقول بعد جولات طويلة وعديدة من الرفض والاعتراض يذهب هذا الفريق أو ذاك إلى حوار بمطالبات أدنى من المقبول..! أما الاختراق على الجبهة المناوئة والمناهضة، فيتم من خلال استفزاز الرأي العام في تلك الجبهة ودق أسافين الفتنة والفرقة بين أفرادها وجماعاتها، والإيحاء للبسطاء فيها، بالانتصار عليهم حتى من قبل ان تبدأ فعاليات وجلسات الحوار..!
وفيما يخص حوارنا الوطني العتيد، والذي نتمنى له النجاح والتوفيق، فنعتقد أن من حصافة الرأي أن ننشغل بإعداد أجنداتنا ومطالبنا وحشد مواقفنا بدلاً من التنابز بالألقاب وإطلاق الاتهامات الجوفاء على بعضنا وبما يحقق أمنيات الطرف الآخر ويقدم له ما يشاء على طبق من فضة..!
وفيما يخص حوارنا الوطني، فثمة حاجة وطنية لتشكيل مجموعات إعلامية واستشارية وسياسية مساندة، تعزز مواقف المحاورين، وتتكفل بتوعية الرأي العام الوطني، وتحول دون الوقوع في براثن الشائعات الهدامة، التي تتحول إلى سلاح دمار شامل في مثل هذه المراحل والظروف، والتي تتخصص أجهزة وماكينات وجهات محترفة داخل البلاد وخارجها في صناعتها وفبركتها بهدف اختراق الصف الوطني وتفتيت الوحدة الوطنية.
وفيما يخص حوارنا الوطني، فواجبنا أن نبقيه حواراً لنا، نحول بينه وبين أي اختراق خارجي، وننأى به عن الدعوات والحسابات الطائفية، ونرتقي به على جراحنا وهمومنا الفردية والشخصية من أجل المصلحة الكبرى مصلحة البحرين كلها وأهلها أجمعين.