القوى الوطنية من الشباب النقي الذي أطلق شرارة الربيع العربي تراجعت في معظم البلاد بعد الأيام الأولى من الثورات، وسيطرت على الأوضاع قوى انتهازية متطرفة بعضها مرتبط بالخارج ولعل في مقدمتها تلك الجماعة وإن لم تكن الوحيدة. وما نشره الأستاذ المحامي ثروت الخرباوي، وكان من قيادات الحركة وممثلها لعدة سنوات في أوربا ثم انشق عنها، تتضمن الكثير من تفاصيل مواقفها وتصرفاتها وسياساتها، وأشير إلى كتبه القيمة والتي منها كتاب «سر المعبد» وكتاب «أئمة الشر» وكتاب «قلب الأخوان» الذي يفضح ارتباطات الجماعة بالولايات المتحدة منذ زمن بعيد ثم اتضح بصورة أكبر في التعهدات التي قدمتها للأمريكان بخصوص حماية إسرائيل والهدنة بينها وبين حماس، والتعهد وعدم المساس بالمصالح الأمريكية في المنطقة بخلاف ما يدعونه في تصريحاتهم. وكذلك كتب فوزي عويس ومصطفى بكري وما ينشره الصحافي عبدالرحيم علي من تسجيلات تفضح بعض من يدعون الثورية والوطنية والذين يبدو أنهم كانوا، وربما مازالوا، يمثلون طابوراً خامساً للثورة المصرية وهم يرفعون شعارات ثورية متطرفة تشابه إخوانهم الذين يرفعون شعارات دينية متطرفة وكلاهما مصيره للزوال.
إن هذه الثورة المضادة قادتها بعض الجماعات الساعية للسلطة وتشويه صورة الوطن وإشاعة القتل والدمار كما يحدث في مصر وتونس وليبيا وغيرها، وأيضاً من جماعات متطرفة مماثلة في دول عربية أخرى والاتجاه نحو سياسات التطرف والإقصاء مما أدى لردود فعل عكسية تمثلت في ثلاث رئيسة، أولها استمرار الصراع والدماء والقتل والتشريد للمواطنين على مدى السنوات الثلاث، وثانيها حدوث مزيد من انكشاف اقتصاد الدول وزعزعة استقرارها السياسي والأمني، ثالثها بروز ظاهرة تحدي مؤسسات الدولة بهدف إضعافها ووصولاً لتدميرها، لأن هذه القوى تعتمد على فكر ونظرية العالمية الإسلامية وما تسميه بالحاكمية التي روج لها العالم الهندي الباكستاني المسلم أبو الأعلى المودودي، بسبب عدم فهمه لروح الإسلام الحقيقية التي هي الاعتدال والتسامح والحرية والمساواة والعدل، وعدم فهمه لمدلولات اللغة العربية، وأن تعبير الحكم كما ورد في القرآن يعني القضاء وليس السياسة التي استخدم فيها القرآن الكريم مصطلح الأمر كما في قوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم» وترتب على هذا المفاهيم والتفسيرات الخاطئة تخريب الأوطان الإسلامية وتصارع فرقها.
كذلك تتصارع الفرق الإسلامية المتعددة واتهام كل منها الأخرى بأنها الفرقة الضالة وان أنصارها يعبرون عن الفرقة الناجية، ونسوا حديث الرسول الكريم بأنه «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار»، وعندما سأله الصحابة بقولهم «عرفنا القاتل فما بال المقتول»، فأجابهم الرسول الكريم «إنه كان حريصاً علي قتل صاحبه».
وهذا تغليظ لحرمة الدماء للمسلم بوجه خاص وللبشر بوجه عام، وهكذا الجماعات والفرق الفوضوية تتقاتل بصور مختلفة وتحت مسميات متنوعة منذ انتهاء عصر الخلفاء الراشدين بحثاً عن سراب، وادعاء بمعاقبة قتلة عثمان بن عفان أو رفعاً للمصاحف كما في واقعة التحكيم وبروز الخوارج ضد سيدنا علي بن أبي طالب، وهكذا تنوعت الانقسامات والهدف واحد وهو النيل من الإسلام بدعاوى مختلفة والعمل للتدمير والخراب ولروح الإسلام وقيمه ومؤسساته ودوله ومن ثم العمل ضد مفهوم الوطن ورفض الولاء له وضد مفهوم الحدود الوطنية واحترامها، ومن هنا ما تردد حول اتفاقات سرية للرئيس السابق وحزبه مع أمريكا للتنازل عن جزء من سيناء لحركة حماس لإقامة دولة فلسطينية عليها وتحقيق الأمن لإسرائيل ونسيان أرض فلسطين، وكان ذلك من المخططات الصهيونية القديمة. وكذلك عرضه التنازل عن مناطق أخرى من أرض مصر.
هذا كله إضافة لتصريحات المرشد السابق مهدي عاكف حول الترحيب بتولي رئيس ماليزي لمصر بدلاً من رئيس هو مواطن مصري قبطي، وقوله «طظ في مصر». وكذلك ترحيب وتمنيات المرشد محمد بديع بعد لقاء إسماعيل هنية في مكتبه بمقر الإخوان بمصر أنه يتمنى أن يكون هنية رئيساً لوزراء مصر، وكأنه يقول له انسى فلسطين السليبة وخذ مصر بدلاً منها سبحان الله هل هذه الوطنية؟
والسؤال ما العمل؟ للأسف ليس لدي وصفة سحرية، ولكن تجارب الديمقراطية في أوربا وأمريكا والهند اعتمدت على ركائز أربع الأولى هي: القيادة ذات الرؤية السياسية غير الأنانية وغير الطامعة في السلطة بصفتها سلطة ونموذج غاندي ونهرو في الهند، والركيزة الثانية هي الكوادر الحزبية الواعية التي تمارس الإدارة وتشارك القوى الأخرى في ذلك، والركيزة الثالثة هي القوات المسلحة والشرطة، والركيزة الرابعة خلف كل ذلك هو دور المثقفين الليبراليين المؤمنين بالوطن وبالحرية وغير المؤدلجين دينياً، وتمثل ذلك في حزب المؤتمر في الهند وحزب الوفد في مصر عام 1919 وأمثال هؤلاء ساعدوا في بناء الدولة ومؤسساتها وضربوا المثل في النموذج وأيضاً نموذج مانديلا في جنوب أفريقيا.
المعضلة الرئيسة هل لدينا في العالم العربي مثل هذا النموذج؟ أقول للأسف بكل صراحة تاريخنا الإسلامي العربي مليء بالدماء والصراعات. يبقى لدينا الأمل في خروج قيادة من بين هذا الركام الذي نعيشه ونعاني بسببه، وإن كانت تبدو الصورة أكثر إشراقاً من نتيجة الاستفتاء على الدستور ومن تكاتف الشعب مع قواته المسلحة والشرطة، ومن حرص القيادات السياسية على التعاون مع القوات المسلحة والشرطة من أجل حماية الوطن، وهذا يحقق تغييراً جوهرياً في مصر وهو الطريق الصحيح للخروج من المأزق الحالي والانطلاق نحو الاستقرار والعمل الإيجابي المنتج بدلاً من التباكي على الماضي والتبشير بالويل والثبور وعظائم الأمور ممن فقد الإحساس بالوطن وقيمته ومن ثم فقد الشرعية، لأنه حنث بالقسم وخان الأمانة ثم عاد ليتباكى عليها وهكذا قالت تلك السيدة العظيمة أم آخر الخلفاء في الأندلس عندما وجدت ابنها الخليفة يبكي في زاوية من زوايا قصره إثر هزيمته وانتصار خصومه ومن ثم انتهاء الدولة الأموية في الأندلس: «ابكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال».
وها نحن نقول للباكين والمنافقين والكاذبين الذين يرفعون قميص عثمان تلك الحكمة الربانية البليغة الداعية للتغيير الحقيقي من خلال تغيير الفكر والسلوك الخاطئ والشعارات الجوفاء، وندعوهم للعودة والاندماج في قافلة البناء بدلاً من العمل من خلال دعوات التخريب والدمار والخراب، وحقاً قال الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الآية 13 سورة الرعد).
إن هذه الثورة المضادة قادتها بعض الجماعات الساعية للسلطة وتشويه صورة الوطن وإشاعة القتل والدمار كما يحدث في مصر وتونس وليبيا وغيرها، وأيضاً من جماعات متطرفة مماثلة في دول عربية أخرى والاتجاه نحو سياسات التطرف والإقصاء مما أدى لردود فعل عكسية تمثلت في ثلاث رئيسة، أولها استمرار الصراع والدماء والقتل والتشريد للمواطنين على مدى السنوات الثلاث، وثانيها حدوث مزيد من انكشاف اقتصاد الدول وزعزعة استقرارها السياسي والأمني، ثالثها بروز ظاهرة تحدي مؤسسات الدولة بهدف إضعافها ووصولاً لتدميرها، لأن هذه القوى تعتمد على فكر ونظرية العالمية الإسلامية وما تسميه بالحاكمية التي روج لها العالم الهندي الباكستاني المسلم أبو الأعلى المودودي، بسبب عدم فهمه لروح الإسلام الحقيقية التي هي الاعتدال والتسامح والحرية والمساواة والعدل، وعدم فهمه لمدلولات اللغة العربية، وأن تعبير الحكم كما ورد في القرآن يعني القضاء وليس السياسة التي استخدم فيها القرآن الكريم مصطلح الأمر كما في قوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم» وترتب على هذا المفاهيم والتفسيرات الخاطئة تخريب الأوطان الإسلامية وتصارع فرقها.
كذلك تتصارع الفرق الإسلامية المتعددة واتهام كل منها الأخرى بأنها الفرقة الضالة وان أنصارها يعبرون عن الفرقة الناجية، ونسوا حديث الرسول الكريم بأنه «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار»، وعندما سأله الصحابة بقولهم «عرفنا القاتل فما بال المقتول»، فأجابهم الرسول الكريم «إنه كان حريصاً علي قتل صاحبه».
وهذا تغليظ لحرمة الدماء للمسلم بوجه خاص وللبشر بوجه عام، وهكذا الجماعات والفرق الفوضوية تتقاتل بصور مختلفة وتحت مسميات متنوعة منذ انتهاء عصر الخلفاء الراشدين بحثاً عن سراب، وادعاء بمعاقبة قتلة عثمان بن عفان أو رفعاً للمصاحف كما في واقعة التحكيم وبروز الخوارج ضد سيدنا علي بن أبي طالب، وهكذا تنوعت الانقسامات والهدف واحد وهو النيل من الإسلام بدعاوى مختلفة والعمل للتدمير والخراب ولروح الإسلام وقيمه ومؤسساته ودوله ومن ثم العمل ضد مفهوم الوطن ورفض الولاء له وضد مفهوم الحدود الوطنية واحترامها، ومن هنا ما تردد حول اتفاقات سرية للرئيس السابق وحزبه مع أمريكا للتنازل عن جزء من سيناء لحركة حماس لإقامة دولة فلسطينية عليها وتحقيق الأمن لإسرائيل ونسيان أرض فلسطين، وكان ذلك من المخططات الصهيونية القديمة. وكذلك عرضه التنازل عن مناطق أخرى من أرض مصر.
هذا كله إضافة لتصريحات المرشد السابق مهدي عاكف حول الترحيب بتولي رئيس ماليزي لمصر بدلاً من رئيس هو مواطن مصري قبطي، وقوله «طظ في مصر». وكذلك ترحيب وتمنيات المرشد محمد بديع بعد لقاء إسماعيل هنية في مكتبه بمقر الإخوان بمصر أنه يتمنى أن يكون هنية رئيساً لوزراء مصر، وكأنه يقول له انسى فلسطين السليبة وخذ مصر بدلاً منها سبحان الله هل هذه الوطنية؟
والسؤال ما العمل؟ للأسف ليس لدي وصفة سحرية، ولكن تجارب الديمقراطية في أوربا وأمريكا والهند اعتمدت على ركائز أربع الأولى هي: القيادة ذات الرؤية السياسية غير الأنانية وغير الطامعة في السلطة بصفتها سلطة ونموذج غاندي ونهرو في الهند، والركيزة الثانية هي الكوادر الحزبية الواعية التي تمارس الإدارة وتشارك القوى الأخرى في ذلك، والركيزة الثالثة هي القوات المسلحة والشرطة، والركيزة الرابعة خلف كل ذلك هو دور المثقفين الليبراليين المؤمنين بالوطن وبالحرية وغير المؤدلجين دينياً، وتمثل ذلك في حزب المؤتمر في الهند وحزب الوفد في مصر عام 1919 وأمثال هؤلاء ساعدوا في بناء الدولة ومؤسساتها وضربوا المثل في النموذج وأيضاً نموذج مانديلا في جنوب أفريقيا.
المعضلة الرئيسة هل لدينا في العالم العربي مثل هذا النموذج؟ أقول للأسف بكل صراحة تاريخنا الإسلامي العربي مليء بالدماء والصراعات. يبقى لدينا الأمل في خروج قيادة من بين هذا الركام الذي نعيشه ونعاني بسببه، وإن كانت تبدو الصورة أكثر إشراقاً من نتيجة الاستفتاء على الدستور ومن تكاتف الشعب مع قواته المسلحة والشرطة، ومن حرص القيادات السياسية على التعاون مع القوات المسلحة والشرطة من أجل حماية الوطن، وهذا يحقق تغييراً جوهرياً في مصر وهو الطريق الصحيح للخروج من المأزق الحالي والانطلاق نحو الاستقرار والعمل الإيجابي المنتج بدلاً من التباكي على الماضي والتبشير بالويل والثبور وعظائم الأمور ممن فقد الإحساس بالوطن وقيمته ومن ثم فقد الشرعية، لأنه حنث بالقسم وخان الأمانة ثم عاد ليتباكى عليها وهكذا قالت تلك السيدة العظيمة أم آخر الخلفاء في الأندلس عندما وجدت ابنها الخليفة يبكي في زاوية من زوايا قصره إثر هزيمته وانتصار خصومه ومن ثم انتهاء الدولة الأموية في الأندلس: «ابكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال».
وها نحن نقول للباكين والمنافقين والكاذبين الذين يرفعون قميص عثمان تلك الحكمة الربانية البليغة الداعية للتغيير الحقيقي من خلال تغيير الفكر والسلوك الخاطئ والشعارات الجوفاء، وندعوهم للعودة والاندماج في قافلة البناء بدلاً من العمل من خلال دعوات التخريب والدمار والخراب، وحقاً قال الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الآية 13 سورة الرعد).