الحياة مظاهر! وصف مازال يتردد في المجتمعات العربية والخليجية، وهو مبني على ممارسات معينة من فئات وأفراد -قد يكونون الأغلبية- تركز على المظهر قبل أن تفكر بالجوهر، رغم أن البعض يجمع الاثنين، إلا أن الكثيرين يملكون الأول (أي المظهر) ويفتقرون للثاني (الجوهر)، وللتثبت فقط علينا ملاحظة كيف يتحدثون ويتصرفون ويتعاملون.
عموماً، لا ننكر في البحرين أن أكثر الناس تركز على هذه الأمور، وتركيزها درجات، فهناك من يعتبرها نوعاً من الترتيب والتنسيق في حياته، لكن هناك -وهذا النوع الأخطر الذي يدخل في إطار الحالة المرضية- من يرى «قيمة نفسه الحقيقية» تتمثل بنوع السيارة، رقمها (مهما نقصت خاناته وزاد تنسيقه يعني ارتفاع قيمة صاحبه)، رقم الهاتف، موديله، عدد الأجهزة، نوع اللبس، الماركة (البراند)، حتى من ابتلشنا بهم من جيل «اللووست» لابد وأن تكون الملابس الداخلية ماركة (رالف لورين، أو كالفن كلاين.. إلخ) لأنه الجينز «لوويست» فماذا سيكون في مرمى عيون الناس غير اللباس الداخلي «الماركة»؟!
الفكرة عموماً بأنه وللأسف بات مجتمعنا رهيناً لثقافة «المظاهر الخادعة»، يسهل أن تتوه بين الناس وتعاني لتعرف من الممتلئ (لا بالجيب لكن بالأخلاقيات والأفعال) ومن الخاوي من كل ما ذكر.
قيمة البشر أصبحت بما يركب وبما يلبس وبترتيب الرقم، لم تعد القيمة معنية بالمبادئ والأخلاقيات والأفعال والتأثير الإيجابي على المحيط الاجتماعي.
ليست دعوة لنبذ ذلك، بل إن الله جميل يحب الجمال، لكن الفكرة بألا يكون هذا الأساس ومحور كل شيء، ألا تكون قناعة الإنسان بأن علو قدره مرهون بالمظاهر والمبالغة فيها والسعي للاستعلاء بها على الناس، كذلك الذي لسان حاله وهو جالس بين أصحابه ويقول: شفتوا رقم سيارتي؟! شفتوا رقم تلفوني؟! فيرد عليه أحدهم ويقول: يا أخي شفنا، بس ودنا نشوف رقم قبرك! فيرد بلا تردد: ثلاثة أرقام سيريل، في منطقة الشخصيات «الإليت» وفي زاوية وحدوده صخر جرانيت ورخام أبيض من ألبانيا!!!
المؤسف أننا نكتب ذلك ونحاول توعية الناس، في وقت يفترض من كبار المسؤولين والشوريين والنواب المنتخبين من الناس أن يكونوا هم في صدارة المشهد لتنبيه الناس وحمايتهم من الانجراف تجاه هذه الآفات المجتمعية، لكن المضحك المبكي أنك ترتجي العلاج فيمن هو مصاب أصلاً بالداء ووصل لمرحلة متقدمة من الإصابة، طبعاً إلا من رحم ربي.
طبعاً هل تلومون المواطن إن حاول الاستماتة وراء المظاهر طالما هو يرى المسؤولين والنواب وغيرهم يقيمون أنفسهم بنفس المعايير (أرقام، أشكال، ديكور خارجي، امتيازات.. إلخ) أتلومون الناس بعدها؟! أتلومونهم وهم يرون أغلب الحراك داخل المؤسسة التشريعية معني بمزايا و»برستيج» الأعضاء؟! مؤخراً مجلس الشورى أقر «مشروعاً بقانون ينص على منح أعضاء إدارة الشؤون القانونية والمحاكم العسكرية بوزارة الداخلية جوازات سفر خاصة، أسوة بنظرائهم بقوة دفاع البحرين»!
بصراحة لا ندري ما فائدة الجواز الخاص؟! هل -فقط- لأنه يمنحك «ميزة» المرور في المسار الخاص على جسر الملك فهد بخلاف الناس العاديين؟! إذا كان ذلك فلكم البشارة فالمسار بدأ يزدحم أيضاً، سواء بمن لديهم الجواز الخاص أو «الواسطة» للمرور عبر المنفذ! أما إن كانت فائدته لتصويره مع تذكرة السفر (مع إخفاء درجة السفر السياحية) ووضعها في الإنستغرام حتى يرد الناس ويقولون «درب السلامة» وهم يركزون في «اللون الأخضر»! فهنا بالفعل الجواز الخاص له فائدة عظمى لتصنيف الناس لطبقات ونخب و»إليت» و«مساكين» و«فقارة».
نكتب ذلك مع الإدراك بأننا كأشخاص قد نكون نمارس نفس الأفعال ونقع في نفس الخانة ويطالنا نفس المرض، لا نزكي أنفسنا، لكن للأسف أصبح هذا الواقع المعاش في ظل مرض «المظاهر».
لعنة الله على هذه المظاهر وضحالة الفكر حينما يصل الإنسان لهذا المستوى السطحي الضحل من التفكير والإيمان بما هو أهم. لعنها الله ففي النهاية كلنا في متر مربع تحت التراب، لا يهم إن كان قبراً في مقبرة فقراء أو «منتجع» مقابر الأغنياء!