دعمــت دول الخليــج العربيــة جماعات اليسار وسرعان ما تخلت عنها، ثم دعمت القوميين وتخلت عنهم أيضاً، وبعدها كان الدعم موجهاً للجماعات الإسلامية وهي أطول فترة دعم. علماً بأن الدعم الذي نتحدث عنه هنا قد يكــون دعماً مالياً، وقد يكون دعمــاً معنوياً، وقد يكون دعماً صامتاً بمعنى توسيع هامش التحرك لمثل هذه الجماعات دون ملاحقتها.
واليوم جاء الوقت الذي تحولت فيــه الجماعات الإسلامية السنية والشيعية إلى جماعات إرهابية، وهو إعلان رسمي خليجي بأن هذه الجماعات تعمل ضد مصالح الأنظمة والدول الخليجية بعد ممارساتهـا التــي كشفـــت أجندتهــا، وكشفت جهودها للإضرار بمصالح هذه الدول. فكانت الخلاصة أنه كلما يتم دعم إحدى الجماعات السياسية أو التحالف معها، أو إتاحة المجال لها للتحرك بحرية، فإن النتيجة تكون فاشلة بمرور الوقت وغير مجدية، والسبــــب الرئيـــس لذلــك أن هــــذه الجماعات لديها أجندتها الخاصة التي تتعارض مع الدول الخليجية.
لذلك فإن الحاجة الاستراتيجية تتطلب البحث عن بدائل جديدة مبتكرة وغير تقليدية، فما هي هذه القوى التي يمكن التعويل عليها؟
قبـل الإجابة على السؤال، فإن هنــاك مسألـــة تتطلــب المناقشــة أولاً، وهي مسألة التنظيم السياسي، فاللافت عبر التطور التاريخي أن الحكومات الخليجية تتحالف أو تدعم تنظيمات سياسية تمثل تيارات فكرية معينة، وبالتالــي فإن هناك نظرة رسمية تجاه الجماعات المنظمــة وهــي أنهــا الأكثـر تأثيـــراً، والأكثر تنظيماً، وهي التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف. مثل هذه النظرة خاطئة للغاية، وكانت بمثابة عــذر خيالــي تم الاقتناع به، وتجاهــل كافة الخيارات الأخرى.
لا يمكن الاقتناع بوجود تنظيم مع أيديولوجيا وكوادر وإمكانات والتعويل عليه فوراً في تحالف سياسي من أجل تحقيق بعض الأهداف. بل يجب تمحيص مثل هذه التنظيمات وأيديولوجياتها وكوادرها قبل اتخاذ هكذا قرار، خاصة وأن التجارب الخليجية أثبتت أن جميع هذه التنظيمات تعرف جيداً ماذا تريد، وأهدافها وأجنداتها واضحة أيضاً، ودخولها في تفاهمات مـــع الحكومـــات الخليجيـــة أو حتـــى تحالفات لا يعني أنها ستكون طرفاً قابلاً للاستغلال من دون مقابل، فهـي -أي التنظيمات- تعرف جيداً أنه يمكن التخلي عنها في أي وقت بأسباب مقنعة أو حتى من دون أسباب.
إضافة إلى ذلك، فإن العلاقة التي تتشكل بين السلطة والجمهور من خلال الطرف الثالث وهو التنظيمات السياسية علاقة مشوهة وتقوم على الابتزاز. فكثيراً ما قامت التنظيمات السياسيـــة بإيهــام السلطـة فــي دول الخليج بقدرتها على تحريك الشارع، وأنه يمكنها القيام بالعديد من الأعمال السياسية، وتكون النتيجة تصديق السلطة، وتكوين تقييم مفرط تجاه هــذه التنظيمات. والعلاقة المشوهــة تتضمـــن أيضاً قطيعة مباشرة بيــن السلطة والجمهور في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه العلاقة مباشرة ومن دون وسيط. إضافة إلى ذلك فـــإن العلاقة القائمة على الوسيـــط «التنظيمــات السياسيــة» مــن شأنها إفقـــاد مصداقية السلطة، وخســارة الدولة تأييد مواطنيها.
نعــود مجــدداً للإجابــة علــى الســؤال المحوري الذي يطرحه هذا المقال؛ من هي القوى التي يمكن أن تكون بديلاً عن الجماعات الإسلامية المتطرفة؟
تتمتع معظم دول الخليج بتجارب مختلفـــة فـــي كيفيــة الحفــاظ علــى التوازنات داخل مجتمعاتها، وهو ما دفعها للتحالف مع الجماعات الإسلامية المتطرفـــة فـــي بعــــض الأوقـــــات، والجماعات السياسية الأخرى في أوقات أخرى. ولكنها أيضاً لم تدرك قيمة عموم الأفراد الذين يشكلون قوة تأثير أكبر بكثير من تلك التي تتمتع بها الجماعات السياسية المتنوعة، وهؤلاء يمكن التعويل عليهم كثيراً.
هؤلاء الأفراد تم تركهم للجماعات السياسية التي عملت على استغلالهم وسعـــت لتجنيـــــد شريحــــة منهـــم، والسيطرة على المتبقي منهم، وباتوا وقوداً لأي نشاط ضد الدولة الخليجية.
كما إن تجربة دول الخليج العربي كشفــت عن صعوبة السيطرة علــى الجمهور في ظل وجود ثقافة تحمل قيماً إيجابية تجاه السلطة، وترفض التبعية والانسياق لإحدى الشخصيات أو التنظيمــات. فمعظــم المواطنيــــن في الخليج من الصعب انسياقهــم وراء شخصية سياسية أو دينية، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليهم من طرف واحد، ولا يمكن دعم انخراطهم في تنظيمات حتى يتم التعامل معهم. فسبـــب عدم انسياقهم وراء شخصيـــة واحدة «باستثناء شخصيات الحكام طبعاً» التركيبة الثقافية التي كوّنت لديهم القناعة بشرعية الحاكم وعدم شرعية غيره إذا كان يحاول القيام بنفس الدور. أما بالنسبة لدخولهم في تنظيمات، فإن شعوب الخليج ترى عدم جدوى التنظيم لأنه يتطلب شكلاً من أشكال الانتماء التي تدفع الفرد للتخلي عن انتماءاته الفرعية، ولذلك نجد المواطن الخليجي لا يمكن أن يتخلى عن قبيلته أو أسرته أو حتى منطقته، ولا يقبل تغليب الانتماء لأحد التنظيمات على هذه الانتماءات الفرعية.
الخيـــــار الاستراتيجــي لمستقبــــــــل دول الخليج العربي هو التعويل على القوى غير المنظمة التي تضم هؤلاء الأفراد الذين ليس لديهم انتماءات حزبية ضيقة، ولكنها لا تعني في الوقـــت نفســـه أنهـــم أفـراد سلبيون وليس لديهم أي دور في الحياة العامة. هذا الخيار الاستراتيجي هو الأفضل لأمن واستقرار دول الخليج على المدى الطويل.
واليوم جاء الوقت الذي تحولت فيــه الجماعات الإسلامية السنية والشيعية إلى جماعات إرهابية، وهو إعلان رسمي خليجي بأن هذه الجماعات تعمل ضد مصالح الأنظمة والدول الخليجية بعد ممارساتهـا التــي كشفـــت أجندتهــا، وكشفت جهودها للإضرار بمصالح هذه الدول. فكانت الخلاصة أنه كلما يتم دعم إحدى الجماعات السياسية أو التحالف معها، أو إتاحة المجال لها للتحرك بحرية، فإن النتيجة تكون فاشلة بمرور الوقت وغير مجدية، والسبــــب الرئيـــس لذلــك أن هــــذه الجماعات لديها أجندتها الخاصة التي تتعارض مع الدول الخليجية.
لذلك فإن الحاجة الاستراتيجية تتطلب البحث عن بدائل جديدة مبتكرة وغير تقليدية، فما هي هذه القوى التي يمكن التعويل عليها؟
قبـل الإجابة على السؤال، فإن هنــاك مسألـــة تتطلــب المناقشــة أولاً، وهي مسألة التنظيم السياسي، فاللافت عبر التطور التاريخي أن الحكومات الخليجية تتحالف أو تدعم تنظيمات سياسية تمثل تيارات فكرية معينة، وبالتالــي فإن هناك نظرة رسمية تجاه الجماعات المنظمــة وهــي أنهــا الأكثـر تأثيـــراً، والأكثر تنظيماً، وهي التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف. مثل هذه النظرة خاطئة للغاية، وكانت بمثابة عــذر خيالــي تم الاقتناع به، وتجاهــل كافة الخيارات الأخرى.
لا يمكن الاقتناع بوجود تنظيم مع أيديولوجيا وكوادر وإمكانات والتعويل عليه فوراً في تحالف سياسي من أجل تحقيق بعض الأهداف. بل يجب تمحيص مثل هذه التنظيمات وأيديولوجياتها وكوادرها قبل اتخاذ هكذا قرار، خاصة وأن التجارب الخليجية أثبتت أن جميع هذه التنظيمات تعرف جيداً ماذا تريد، وأهدافها وأجنداتها واضحة أيضاً، ودخولها في تفاهمات مـــع الحكومـــات الخليجيـــة أو حتـــى تحالفات لا يعني أنها ستكون طرفاً قابلاً للاستغلال من دون مقابل، فهـي -أي التنظيمات- تعرف جيداً أنه يمكن التخلي عنها في أي وقت بأسباب مقنعة أو حتى من دون أسباب.
إضافة إلى ذلك، فإن العلاقة التي تتشكل بين السلطة والجمهور من خلال الطرف الثالث وهو التنظيمات السياسية علاقة مشوهة وتقوم على الابتزاز. فكثيراً ما قامت التنظيمات السياسيـــة بإيهــام السلطـة فــي دول الخليج بقدرتها على تحريك الشارع، وأنه يمكنها القيام بالعديد من الأعمال السياسية، وتكون النتيجة تصديق السلطة، وتكوين تقييم مفرط تجاه هــذه التنظيمات. والعلاقة المشوهــة تتضمـــن أيضاً قطيعة مباشرة بيــن السلطة والجمهور في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه العلاقة مباشرة ومن دون وسيط. إضافة إلى ذلك فـــإن العلاقة القائمة على الوسيـــط «التنظيمــات السياسيــة» مــن شأنها إفقـــاد مصداقية السلطة، وخســارة الدولة تأييد مواطنيها.
نعــود مجــدداً للإجابــة علــى الســؤال المحوري الذي يطرحه هذا المقال؛ من هي القوى التي يمكن أن تكون بديلاً عن الجماعات الإسلامية المتطرفة؟
تتمتع معظم دول الخليج بتجارب مختلفـــة فـــي كيفيــة الحفــاظ علــى التوازنات داخل مجتمعاتها، وهو ما دفعها للتحالف مع الجماعات الإسلامية المتطرفـــة فـــي بعــــض الأوقـــــات، والجماعات السياسية الأخرى في أوقات أخرى. ولكنها أيضاً لم تدرك قيمة عموم الأفراد الذين يشكلون قوة تأثير أكبر بكثير من تلك التي تتمتع بها الجماعات السياسية المتنوعة، وهؤلاء يمكن التعويل عليهم كثيراً.
هؤلاء الأفراد تم تركهم للجماعات السياسية التي عملت على استغلالهم وسعـــت لتجنيـــــد شريحــــة منهـــم، والسيطرة على المتبقي منهم، وباتوا وقوداً لأي نشاط ضد الدولة الخليجية.
كما إن تجربة دول الخليج العربي كشفــت عن صعوبة السيطرة علــى الجمهور في ظل وجود ثقافة تحمل قيماً إيجابية تجاه السلطة، وترفض التبعية والانسياق لإحدى الشخصيات أو التنظيمــات. فمعظــم المواطنيــــن في الخليج من الصعب انسياقهــم وراء شخصية سياسية أو دينية، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليهم من طرف واحد، ولا يمكن دعم انخراطهم في تنظيمات حتى يتم التعامل معهم. فسبـــب عدم انسياقهم وراء شخصيـــة واحدة «باستثناء شخصيات الحكام طبعاً» التركيبة الثقافية التي كوّنت لديهم القناعة بشرعية الحاكم وعدم شرعية غيره إذا كان يحاول القيام بنفس الدور. أما بالنسبة لدخولهم في تنظيمات، فإن شعوب الخليج ترى عدم جدوى التنظيم لأنه يتطلب شكلاً من أشكال الانتماء التي تدفع الفرد للتخلي عن انتماءاته الفرعية، ولذلك نجد المواطن الخليجي لا يمكن أن يتخلى عن قبيلته أو أسرته أو حتى منطقته، ولا يقبل تغليب الانتماء لأحد التنظيمات على هذه الانتماءات الفرعية.
الخيـــــار الاستراتيجــي لمستقبــــــــل دول الخليج العربي هو التعويل على القوى غير المنظمة التي تضم هؤلاء الأفراد الذين ليس لديهم انتماءات حزبية ضيقة، ولكنها لا تعني في الوقـــت نفســـه أنهـــم أفـراد سلبيون وليس لديهم أي دور في الحياة العامة. هذا الخيار الاستراتيجي هو الأفضل لأمن واستقرار دول الخليج على المدى الطويل.