واقع التعليم ومخرجاته في الدول العربية ربما تختصره طرفة ترسم على وجه قارئها البسمة وتبعث في نفسه الحزن والألم في وقت واحد.
يحكى أن مجموعة من أساتذة هندسة الطائرات في الجامعات العربية تمت دعوتهم للاطلاع على طائرة من طراز جديد صنعت حديثاً، وطلب منهم تجربتها بأنفسهم، وعندما ركبوا الطائرة وجلس كل منهم في مقعده وأغلقت الأبواب وأوشكت الطائرة على العمل، تم إعلامهم أن هذه الطائرة من صنع تلاميذهم، عندها هرعوا نحو الأبواب محاولين الفرار والنجاة بأنفسهم، إلا واحداً منهم جلس بثقة وهدوء شديدين، فمر به أحد زملائه الهاربين قائلاً له لماذا لا تهرب؟! رد عليه بكل ثقة... إنهم تلاميذنا. قال صاحبه ألهذا الحد أنت واثق من قدراتهم وعلمهم وأنك منحتهم ما يؤهلهم لهذا العمل؟ رد والسكينة والهدوء على محياه.. أنا واثق من أنها لن تطير أبداً.
ما يحصل في مختلف الجامعات العربية لا يختلف كثيراً عن فحوى هذه الطرفة، حتى تلك الجامعات العربية ذات المباني العملاقة والبنى التحتية التي تبدو كبيرة لأول وهلة إلا أنها لا تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله والمكون من خطين أساسيين يؤثران في المجتمع والدولة، الخط الأول التعليم المنعكس على بناء الإنسان، والخط الثاني البحث العلمي المنعكس على تطوير وتفعيل الصناعة ومختلف قطاعات الإنتاج، وغالب المشاريع التي أعلنت عنها الجامعات العربية والمراكز البحثية التابعة لها تحولت إلى فضائح بعد مدة وجيزة، كادعاء بعض الجامعات تصنيع السيارات وابتكار أجهزة تقنية وغير ذلك.
لماذا كل هذا الفشل؟ المشكلة ليست في العقل العربي، فعندما يجد بيئة ترعاه يبدع كما يبدع غيره، بدليل أن وكالة «ناسا» وغيرها من المؤسسات البحثية العملاقة ضمت عقولاً عربية أبدعت ووصلت إلى مراكز متقدمة فيها، فالمشكلة في البيئة ونظام التعليم.. هناك بيئة ونظام تعليم يدفع الفاشل إلى النجاح وآخر يدفع الناجح إلى الفشل، كذلك فإن ما يخصص من ميزانية للتعليم والبحث العلمي في العالم العربي لا يعد شيئاً أمام ما يخصص في الغرب، هذا إضافة إلى مشكلة المحسوبية في مؤسسات التعليم والبحث العلمي، فغالباً ما تتدخل العلاقات والقبلية والطائفية والحزبية والفئوية في كل ما من شأنه رفع المستوى العلمي من مشاركة في المؤتمرات أو الدورات التدريبية أو التفرغ العلمي في الجامعات الرصينة، يعني في النهاية «فلان تبع من؟... أي والنعم فيه يستاهل» معايير الاختيار غير منضبطة، ثم تأتي نتائج المشاريع البحثية في مختلف الجامعات العربية لإرضاء رئيس الجامعة الراغب في إرضاء الوزير الراغب في إرضاء رئيسه.
لكل ذلك أقول لكم ومن واقع الخبرة في مجال التعليم الجامعي والبحث العلمي.. إذا بقي الحال على ما هو عليه.. لن تطير أبداً.