قبل يومين نشرت جمعية الوفاق خبراً ملخصه «اختناق طفل يبلغ من العمر 3 شهور نتيجة العقاب الجماعي والعنف الرسمي»، وهو دونما شك خبر مؤلم؛ خصوصاً أنه نشر مرفقاً بصورة الطفل وقد تم وضع كمام التنفس على أنفه لمساعدته على الخروج من المحنة التي صار فيها. لكن موضوعاً كهذا لا يكفي لفهمه واستيعابه، قراءة الخبر فقط وإنما تحليله، خصوصاً أنه تضمن معلومات غير دقيقة، فلا يوجد في البحرين ما تم تسميته بالعقاب الجماعي، ولا يوجد عنف رسمي، لأنه باختصار ما يقوم به رجال الأمن ليس إلا رداً على فعل يمارسه البعض ممن لا يدرك «تلايا أفعاله» ولا يهمه إن جاءت الضربة في رأس طاعن في السن أم في رئة رضيع لا يتجاوزالثلاثة أشهر أم في «الحرائر».
هذا يعني أن اختناق الطفل سببه الوفاق ومن تشتد له وتدافع عنه وليس رجال الأمن الذين يتعاملون مع كل موقف بما يبيحه لهم القانون.
ما يحدث هو الآتي؛ يمارس مجموعة من «أبطال الميادين» أفعالاً مخلة بالقانون ومزعزعة للاستقرار؛ كإشعال النيران في إطارات السيارات أو رمي رجال الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة والحجارة أو الأسياخ أو تفجير قنبلة محلية الصنع أو غير هذا من أفعال مؤذية تدخل في بند التخريب والعنف والإرهاب ويولون هاربين، الأمر الذي يضطر رجال الأمن إلى التعامل معهم بما هو متاح لهم، وهو هنا إطلاق مسيلات الدموع عليهم لوقف المخالفة ولإعادة الأمور إلى نصابها. ولأن «أبطال الميادين» لا يهمهم ما يحدث بعد ذلك فإنهم يهربون ويصل دخان مسيلات الدموع إلى الآمنين في بيوتهم غصباً عنهم وغصباً عن رجال الأمن. فمن الملام هنا؟ من المعتدي؟ ومن يكون القاتل لو أن أحداً فقد حياته وسط هذا الذي حدث؟
ليس منطقاً اتهام رجال الأمن والحكومة بممارسة العنف والعقاب الجماعي، وليس مقبولاً تبرئة المتسببين في رسم المشهد والممارسين الحقيقيين للعنف الذين لم تمنعهم غيرتهم من الهرب وترك الأطفال وكبار السن و«الحرائر» وراءهم ليذوقوا نتيجة ما لا علاقة لهم به.
لنتخيـــل المشهــــد التالــــي؛ واحــــد مـــن «المناضليــن» يختبـــئ فـــي شقـــة بإحــدى العمارات السكنية ويطلق من مسدس يحمله الرصاص على رجال الأمن، ما الذي سيحدث هنا؟ الطبيعي أن رجال الأمن سيتعاملون معه كي يوقفوا هذه الممارسة التي قد تؤدي إلى قتلهم وقتل الآخرين من مستخدمي الطريق وسكان الحي، فيطلقون عليه ما يبيحه لهم القانون في مثل هذه الحالات، الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابة البعض ممن لا صالح له في الموضوع.
سؤال مباشر يحتاج إلى إجابة بعيدة عن اللف والدوران و«التفلسف»؛ لو أن أحداً من سكان العمارة أو الحي أو مستخدمي الطريق خسر حياته نتيجة ما حدث فمن يكون القاتل؟ رجــال الأمــن أم «البطل» المحسـوب علــــى «المناضلين الشرفاء الذين يسعون إلى الدفاع عن الحريات»؟
الطفل الذي تم نشر صورته وهو يعاني من صعوبة في التنفس ليس إلا ضحية الوفاق والجمعيات التي صارت تابعة لها، وضحية أولئك الذين صاروا يسيرون الوفاق ومن صار تابعاً لها من الصغار الذين لا يمتلكون الخبرة السياسية ولا العقل ولا بعد نظر. الصورة والخبر اللذان نشرتهما الوفاق باعتبارهما دليلاً على أن الحكومة تمارس العنف والعقاب الجماعي إنما يدينانها ويدينان من يتبعها ومن تتبعه، لأن هذا الطفل ليس إلا ضحية التفكير الضيق لهؤلاء وهؤلاء وليس إلا ضحية ممارسات لا مسؤولة يقوم بها هؤلاء وهؤلاء قبل أن يهربوا معتبرين ذلك بطولة.
نشر صورة الطفل والخبر محاولة فقيرة من «قوى المعارضة» لإظهار الظالم في صورة المظلوم.