«بكرة يذوب الثلج ويبان المرج»؛ هذا مثل شامي بتصرف، باعتبار أن بلاد الشام تكثر فيها الثلوج في موسم الشتاء، وما أن يهل شهر الربيع وتبدأ الشمس بإرسال إشعاعاتها فلا بد أن يظهر العشب الأخضر، «ويظهر المستخبي» كما يقول إخواننا المصريون. لذلك فالمقصود بالمرج أي المرعى الأخضر وليس المرج وهو صديق الهرج وما يعني كثرة الاضطراب و«الهوشة». وكلمة «بكرة» هي بيت القصيد باعتبار أن الأمر الذي سيظهر هو ليس في هذه اللحظة، إنما إشارة إلى المستقبل سواء القريب أو البعيد، ولكن على الأرجح القريب أو حقيقة فإن الأمر يعتمد على قوة الشمس ووهجها. إلا أن الكثيرين لا ينتظرون طيف شمس منه يستنيرون وسرعان ما يمرجون ويهرجون بما يقع بين أيديهم اليوم من أخبار ومعلومات ويبدؤون مع الزمن يتسابقون بنقلها وتداولها، وكأن هذه المعلومات سوف تزيد من حسابهم المصرفي، وبعد مرحلة التوريد لابد أن تليها مرحلة التحليل ومن ثم التفنيد، ولنصل للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة إصدار الأحكام.
كل هذا يحدث ولربما الشخص الذي يتم التداول بقصته أو أخباره، لهته الدنيا وهو نفسه لا يعلم بها وغافل عنها، أو الأكثر من ذلك أنه يقوم بتداولها ويكون له دور فاعل بنشرها وهو لا يدري أنه المقصود من ورائها، فما عادت مثل هذا الأمور تعتبر غريبة؛ أليس كذلك؟
فمن فترة وجيزة قام شخص بإرسال رسالة تسخر من حال شخص معين كان هو نفسه استلمها من صديقه، وعندما قرأتها اتصلت بالمرسل فوراً، وسألته: هل تعلم من المقصود في هذه الرسالة؟ قال: لا طبعاً!!! ولكن لم السؤال؟
طلبت منه أن يعيد قراءتها بتروٍّ وبصوت منخفض، وعندما فعل. سرعان ما أعاد الاتصال بي، وقال هل ما فهمته كان صحيحاً أكاد لا أصدق!! فأنا ذلك الشخص المقصود من الرسالة التي شاركتها مع كل الأسماء المضافة عندي في برنامج التواصل!
أحياناً كثيرة تكون الصورة أمام أعيننا واضحة ولكن قراءتنا لها غير كافية وفهمها غير واضح لأنه يشوبها الكثير من التشويه، بحيث تختفي معالمها الحقيقية ونبدأ بفرض التكهنات، ولكن بعيداً عن كثير من الفلسفات، لماذا لا نعطي أنفسنا قسطاً من التأمل والترقب والاستمتاع بالمشهد من بعيد؟ علماً أننا لسنا بحاجة لكثير من الوقت لتسطع شمس أغسطس وتذيب الثلج، فمن حسن حظنا أنه ليس لدينا ثلج لكي نمل الانتظار، وهذه شمس أبريل كفيلة لكي تنقي الصورة أمام أعيننا وبها يظهر الخبر اليقين.
ولنا في ما قاله الشاعر إيليا أبو ماضي بيت قصيد
لما سألت عن الحقيقة قيل لي
الحق ما اتفـق الســــواد عليــه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى
والهند ساجـــدة هنـــاك لديـــه
نرضى بحكم الأكثرية مثلما
يرضى الوليد الظلم من أبويــه
إمـا لغنــــــم يرتجيــــه منهمـــا
أو خفيـة مـن أن يســــاء إليـــــه