عرفته وجهاً بشوشاً، ينبع الفرح من داخله، ويفيض الحب من أعماق قلبه.. فلا أراه إلاَّ مبتهجاً..
قبل أيام التقيته في الصباح الباكر لإنجاز عمل مهم، لكن كان يبدو على وجهه أن الأمور ليست على ما يرام، وأن أمراً -لا محالة- قد عكّر صفو مزاجه، وعندما أبديت استغرابي محاولةً الاطمئنان عليه، رد بنبرة لم يتمكن أن يحقن بها غضبه واستياءه بما يكفي: إنها قنوات الأطفال.!!
أثار الأمر اهتمامي.. وهممت بالجلوس دونما إذن أو دعوة.. وقد اعترتني حماسة بالغة لمعرفة سر قنوات الأطفال وما أثار غضبه فيها، ثم أومأت له برأسي داعية إياه للاستطراد..
فقال: صُدمت اليوم.. وعن طريق الصدفة، مما يشاهده أطفالي في تلك القناة التلفزيونية وأنا لا أدري.. وأظن غيري من أولياء الأمور مثلي، لا يدري.
غمرت وجهي ابتسامة عفوية، بدت وكأنها مستفزة له، وبنبرة يائسة لا مبالية رددت: إنها مشاهد العنف التي تغرس في أطفالنا.. وقد تعرض لها الإعلاميون في برامجهم ومقالاتهم، والباحثون في مجالات كالإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع في دراساتهم، غير أن ليس ثمة جدوى.. ولا حياة لمن تنادي.. فالجهات المسؤولة في سبات عميق.
وكاد أن يقطع حديثي قبل أن أنهيه، ثم ما لبث أن أجاب مندفعاً: بل أعظم.!!
أثار دهشتي وحيرتي، كما أشعل الفضول في داخلي.. فاعتدلت في جلوسي.. وأخذت الأمر على منحى أكبر من الجدية.. منتظرةً منه التوضيح، ولكنه لم يتكلم.!! مدّ يده على هاتفه النقال، وأخذ يضغط على أزرار شاشة اللمس.. وفجأة دفع بهاتفه باتجاهي يدعوني لمشاهدة مقطع من فيلم كارتون أجنبي مدبلج مدته (9) ثوانٍ فقط.!! وقد هالني ما رأيت.
مشهد إباحي.. ودعوة فاضحة صريحة لزنا المحارم.!!!
هذا ما يشاهده أطفالنا.. وهذا ما عرضه عليَّ، ورغم غضبه الشديد واستطراده في التعليق، بدا خجلاً جداً من عرض المقطع أمامي.. وسرعان ما اعتذر عما دعاني لمشاهدته..
ولعلي هنا.. لن أقدم تعليقاً لما شاهدت.. بقدر ما سأنقل بعضاً من التساؤلات التي أثارها صاحبنا..
التساؤل الأول: أين دور الرقابة في الدولة والجهات المسؤولة عن هذه القنوات، وإن كانت خاصة.. لا سيما وأنها قنوات أطفال.. فهل يعقل السماح بأن تمرر على الطفل مواد إعلامية تحمل رسائل مدمرة للأجيال والعقول؟ أوليس ثمة إجراءات مناسبة يمكن اتخاذها ضد تلك الشركات التي تسوق وتنتج تلك الأعمال للنشر في القنوات العربية، حتى وإن كانت قنوات خاصة؟
التساؤل الثاني: قد أكون مخطئاً بضعف الرقابة البيتية لثقتي المطلقة بالقنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال، ومخطئاً أكثر عندما وضعت ثقةً في غير محلها إذ وجهتها للمعنيين بالأمر في الدولة. ولكن.. ما دور بقية أولياء الأمور؟ ألم يلحظ أحدهم رسائل من هذا النوع في الأفلام التي يشاهدها أطفاله؟ ألم ينقل أحدهم الصورة لآخرين ولو عن طريق الاتصال المباشر، أو أبسط الأدوات المتاحة، «الواتساب» مثلاً؟!!
التساؤل الثالث: أين مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك؟! غابت وتركت الحبل على الغارب للرسوم المتحركة الأجنبية المدبلجة، ولم تعد تقدم ما يفي باحتياجات الطفل الخليجي وربما العربي، بما يتضمن تنشئة فاعلة على مستوى المنظومة القيمية والأخلاقية لمجتمعنا. وأين نماذج إنتاجية فريدة نحو «افتح يا سمسم» وأهدافه التعليمية، و«المناهل» وشخصياته التي تحث على القراءة؟!
التساؤل الرابع: أين شركات الإنتاج الخليجية والعربية؟ ما الدور الذي قامت به لضمان تنشئة أجيال قادمة سليمة فكرياً وعقائدياً وسلوكياً؟ ألا تتمتع هذه الشركات بحس المسؤولية الاجتماعية؟ ألن تحقق مما تنتج ربحاً عالياً نظراً لشح مثل هذا النوع من المواد في سوقنا الإعلامية؟.. إذاً.. ما الذي يمنعها؟!!
لعل الأسئلة كثيرة جداً.. ولكني أكتفي بهذا القدر منها.. ولا أدري إن كانت ستلقى صدى بحجم الصراخ، أم أن هناك كاتم صوت في الأرجاء.!!
{{ article.visit_count }}
قبل أيام التقيته في الصباح الباكر لإنجاز عمل مهم، لكن كان يبدو على وجهه أن الأمور ليست على ما يرام، وأن أمراً -لا محالة- قد عكّر صفو مزاجه، وعندما أبديت استغرابي محاولةً الاطمئنان عليه، رد بنبرة لم يتمكن أن يحقن بها غضبه واستياءه بما يكفي: إنها قنوات الأطفال.!!
أثار الأمر اهتمامي.. وهممت بالجلوس دونما إذن أو دعوة.. وقد اعترتني حماسة بالغة لمعرفة سر قنوات الأطفال وما أثار غضبه فيها، ثم أومأت له برأسي داعية إياه للاستطراد..
فقال: صُدمت اليوم.. وعن طريق الصدفة، مما يشاهده أطفالي في تلك القناة التلفزيونية وأنا لا أدري.. وأظن غيري من أولياء الأمور مثلي، لا يدري.
غمرت وجهي ابتسامة عفوية، بدت وكأنها مستفزة له، وبنبرة يائسة لا مبالية رددت: إنها مشاهد العنف التي تغرس في أطفالنا.. وقد تعرض لها الإعلاميون في برامجهم ومقالاتهم، والباحثون في مجالات كالإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع في دراساتهم، غير أن ليس ثمة جدوى.. ولا حياة لمن تنادي.. فالجهات المسؤولة في سبات عميق.
وكاد أن يقطع حديثي قبل أن أنهيه، ثم ما لبث أن أجاب مندفعاً: بل أعظم.!!
أثار دهشتي وحيرتي، كما أشعل الفضول في داخلي.. فاعتدلت في جلوسي.. وأخذت الأمر على منحى أكبر من الجدية.. منتظرةً منه التوضيح، ولكنه لم يتكلم.!! مدّ يده على هاتفه النقال، وأخذ يضغط على أزرار شاشة اللمس.. وفجأة دفع بهاتفه باتجاهي يدعوني لمشاهدة مقطع من فيلم كارتون أجنبي مدبلج مدته (9) ثوانٍ فقط.!! وقد هالني ما رأيت.
مشهد إباحي.. ودعوة فاضحة صريحة لزنا المحارم.!!!
هذا ما يشاهده أطفالنا.. وهذا ما عرضه عليَّ، ورغم غضبه الشديد واستطراده في التعليق، بدا خجلاً جداً من عرض المقطع أمامي.. وسرعان ما اعتذر عما دعاني لمشاهدته..
ولعلي هنا.. لن أقدم تعليقاً لما شاهدت.. بقدر ما سأنقل بعضاً من التساؤلات التي أثارها صاحبنا..
التساؤل الأول: أين دور الرقابة في الدولة والجهات المسؤولة عن هذه القنوات، وإن كانت خاصة.. لا سيما وأنها قنوات أطفال.. فهل يعقل السماح بأن تمرر على الطفل مواد إعلامية تحمل رسائل مدمرة للأجيال والعقول؟ أوليس ثمة إجراءات مناسبة يمكن اتخاذها ضد تلك الشركات التي تسوق وتنتج تلك الأعمال للنشر في القنوات العربية، حتى وإن كانت قنوات خاصة؟
التساؤل الثاني: قد أكون مخطئاً بضعف الرقابة البيتية لثقتي المطلقة بالقنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال، ومخطئاً أكثر عندما وضعت ثقةً في غير محلها إذ وجهتها للمعنيين بالأمر في الدولة. ولكن.. ما دور بقية أولياء الأمور؟ ألم يلحظ أحدهم رسائل من هذا النوع في الأفلام التي يشاهدها أطفاله؟ ألم ينقل أحدهم الصورة لآخرين ولو عن طريق الاتصال المباشر، أو أبسط الأدوات المتاحة، «الواتساب» مثلاً؟!!
التساؤل الثالث: أين مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك؟! غابت وتركت الحبل على الغارب للرسوم المتحركة الأجنبية المدبلجة، ولم تعد تقدم ما يفي باحتياجات الطفل الخليجي وربما العربي، بما يتضمن تنشئة فاعلة على مستوى المنظومة القيمية والأخلاقية لمجتمعنا. وأين نماذج إنتاجية فريدة نحو «افتح يا سمسم» وأهدافه التعليمية، و«المناهل» وشخصياته التي تحث على القراءة؟!
التساؤل الرابع: أين شركات الإنتاج الخليجية والعربية؟ ما الدور الذي قامت به لضمان تنشئة أجيال قادمة سليمة فكرياً وعقائدياً وسلوكياً؟ ألا تتمتع هذه الشركات بحس المسؤولية الاجتماعية؟ ألن تحقق مما تنتج ربحاً عالياً نظراً لشح مثل هذا النوع من المواد في سوقنا الإعلامية؟.. إذاً.. ما الذي يمنعها؟!!
لعل الأسئلة كثيرة جداً.. ولكني أكتفي بهذا القدر منها.. ولا أدري إن كانت ستلقى صدى بحجم الصراخ، أم أن هناك كاتم صوت في الأرجاء.!!