الإقصاء الذي مارسته مؤسسات الدولة عندما كانت تحت سلطة المسؤولين الطائفيين في بعض المؤسسات الحكومية والشركات الوطنية، والذين اتفقوا على فصل مكون رئيس للشعب من نصيبه في التوظيف والتعليم والتدريب، وقد مارس هؤلاء المسؤولون بقوة وعلنياً هذا الإقصاء دون أن تتحرك الدولة في التصدي لهذه الظاهرة، حيث أصبح الإقصاء في بعض مؤسساتها وهيئاتها وشركاتها يكاد يصل إلى 100%، ومن هنا سنبدأ الحديث عن أثر هذا الإقصاء على مستقبل الدولة.
هذا الإقصاء بدأ منذ عقود عديدة ومديدة، إذ تنظر الدولة تنظر إلى شعب البحرين سواسية، ولم يداخل أحد الشك يوماً أنه قد يكون بعض من أبناء هذا الوطن منشار ينشر البلاد وينثرها أشلاء ويغرقها دماء، إنهم أولئك الذين يخططون لمستقبل لا يشاركهم أحد لا ينتمي إليهم ولا يدين بالولاء إلى مرجعيتهم، إنهم أولئك الذين عمدوا إلى إقصاء المكون الرئيس عن فرص التعليم الجامعي، وقد ظهرت آثار هذا الإقصاء ونتائجه جلية في 14 فبراير 2011، عندما تبين أن الأطباء والاستشاريين والمهندسين والمعلمين ومديري الشركات وموظفي الوزارات هم أولئك الذين شاركوا وقادوا المؤامرة الانقلابية.
وهذه هي نتيجة طبيعية بأن يكون ابناء التاجر أو المدير أو الوزير الذين ابتعثتهم مسؤولة البعثات آنذاك على أساس طائفي، أطباء ومهندسين وكبار الموظفين، لأنه وكما يقول المثل «الخير يجر الخير..»، فمن كان أبوه تاجراً أو مديراً ليس كمن كان أبوه ناطوراً أو صباغاً أو عاطلاً عن العمل. هذا بالنسبة للأطباء والمهندسين، ناهيك عن مختلف التخصصات ونسبتهم في الشركات الحيوية ذات الأجور العالية مثل شركة «بابكو»، والتي تحتاج إلى تقرير مفصل يبين الممارسات الطائفية التي انتهجتها الإدارة السابقة والتي توارثها الآباء ثم الأبناء، وها هم الأحفاد سيستلمونها حتى 50 سنة قادمة.
أما ممارسة وزارة العمل قبل 14 فبراير 2011 في مشروع التوظيف والتدريب، وكيف غير المسؤولون فيها وجه الوزارة إلى طائفة واحدة؛ من مكتب الوزير حتى «الكشير»، سوى بضعة من الموظفين البسيطين الذين يتطلب الديكور والتمويه وجودهم، وكذلك بالنسبة لهيئة سوق العمل التي تم إحكام هيكلها التنظيمي 100%، فلم تبقَ وظيفة مدير ولا رئيس ولا موظف عادي وحتى الفراش إلا تم شغلها من قبل الإدارة السابقة بصبغة واحدة، وهذا لم يحدث في أي مؤسسة قط بأن تم شغل الوظائف فيها مرة واحدة على هيكل المؤسسة، وكذلك بالنسبة لـصندوق العمل الذي استطاع من خلاله الوزيران السابقان إعداد الكوادر وتعليمهم، حيث تم تصميم برامج لا يحتاجها ولا يستوعبها سوق العمل، ومثال على ذلك مهندسو الطيران، الذين تم انتقاؤهم وتوظيفهم بشركة طيران الخليج وهذا أيضا يحتاج سرداً تفصيلياً، وكذلك بالنسبة لباقي برامج التوظيف التي كانت تتبناها «تمكين»، وهذا أيضاً يحتاج إلى سرد تفصيلي كي نثبت كيف بدأ التمكين النهائي، حيث تم إحكام الحلقة من طبيب ومهندس وطيار وتاجر.
نحن نتكلم هنا عن واقع أليم نتجرّع مرارته اليوم، وبشدة أكبر بعد المؤامرة المرة التي مر بها شعب البحرين الأصيل، حيث ما زال يتجرّع مرارتها وتبعاتها حتى هذه الساعة، وذلك عندما أصبحت الممارسات علنية وممولة من خزينة الدولة التي أحسن المسؤولون الطائفيون استغلالها وتسخيرها لـلتمكين، بمعنى التمكين الذي منه تشل الدولة حين ترتكز على طائفة واحدة في كافة مؤسساتها الحكومية وشركاتها الحيوية.
التمكين لم يتوقف حتى اليوم، إذ مازال هناك مسؤولون في الدولة يتولون عملية «التمكين»، ومنهم مسؤول كبير بالدولة يمارس نفس العملية التي كان يقوم بها مسؤولون كانوا على رأس هذه المؤسسات، كما يوجد من المسؤولين ضعاف النفوس في بعض المؤسسات هم سبب هذه البلية حيث ظلم مكون رئيس لهذا الشعب، حتى صار مهمشاً في معظم المؤسسات والشركات الوطنية، وذلك سببه التخطيط والتنفيذ في زمن الغفلة، ومع الأسف مازال هذا التخطيط مستمراً حتى اليوم في زمن المصالح المتبادلة من ضعاف النفوس وغياب الاستراتيجية والرؤية لدى بعض المسؤولين عن هذه المؤسسات.
البحرين تحتاج إلى مصارحة؛ فالمداهنة لا تنفع لأن الثمن سيكون ضياع وطن وشعب، وبعدها لن يفيد عض الأيادي.. وإن لم تتدارك الدولة.. ويتدارك شعب البحرين الأصيل أنفسهم بأن يكونوا في المقدمة وأن ينفضوا عنهم غبار التخاذل والتهاون والتسويف والترضية فإن الموجة القادمة ستكون أكبر من أن يصدوها، لأن التمكين وصل إلى مرحلته النهائية.