إن كان لما أوردته صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية مؤخراً بشأن انتقادها لتركيز سعادة السفير الأمريكي توماس كراجيسكي على استثارة حنق واستهجان غالبية الشعب البحريني بتدخلاته في الشأن الداخلي البحريني، «بدعمه المتطرف للمتطرفين من أصحاب المغامرات السياسية والأجندات الإرهابية»، وتغييبه لكوادر السفارة في الإدارة المتوسطة والدنيا عن أهداف وسياسة عمل الدبلوماسية الأمريكية على النطاق المحلي، أقول إن كان لذلك المقال القصير أية دلالات، فإنه لابد قد سلط الضوء على إهمال سعادة السفير لجوانب بناءة في علاقات البلدين، قد تعود بالفائدة على دولته «الصديقة» التي أوصته إدارتها المتخبطة على الدوام بزعزعة استقرار «حليفتها» الصغيرة حجماً والكبيرة أثراً!
الـ«واشنطن تايمز» تعد من الصحف المحافظة، أما كاتب المقال فيليب سوارتز فهو صحافي استقصائي متخصص في كشف «الهدر المالي» و«الفساد» والتركيز على «الأخلاقيات السياسية»، وكلها مواضيع تميزت بالتدهور فيها إدارة الرئيس أوباما، التي يعد سعادة السفير من أبرز لاعبيها السلبيين في أخطر ملاعبها على مصالحها!
المهم، تذكرنا فحوى المقال القصير التي تعرضنا لها أعلاه -وهو بالمناسبة متداول في وسائل التواصل الاجتماعي لمن يرغب في الاستزادة- بما تسبب فيه سعادة السفير -بصفته ممثلاً للإدارة الرئاسية في بلده وسياستها الخارجية- من تأثير خطير على الشراكات الاقتصادية والسياسية بين بلده ومعظم بلدان الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فالقطبان الاقتصاديان مالا شرقاً بكل ما أوتيا من قوة وبكافة أوراق الإغراء التي بحوزتهما -وهي بالمناسبة مغرية لأبعد الحدود «واسأل رؤساءك يا سعادة السفير»- بسبب ممارساته في البحرين، والتي سبقتها ممارسات خبيثة في العراق واليمن.
سعـــادة السفيـــر أثبـــــت للجميــع كيـــف تسمـــح اتفاقيـــات التجـــارة الحـــرة بيـــن بلده و«أصدقائها» بالابتزاز والتهديد والاستغلال وهدم الاستقرار وشرخ الصف الوطني وضياع الدول. فبدلاً من تفعيله لنموذج ناجح لهذه الاتفاقية يعود بالفائدة على البحرين والولايات المتحدة، بحيث يكون هذا النموذج مثالاً يحتذى لسائر الدول فتسارع في تأسيس شراكات تجارية أكبر وأكثر عدداً معكم -وفي مجالات لم تدخلوها معها بعد- وبصورة تساهم في ترسيخ صورة أمريكا التي إذا ما أصيبت في اقتصادها الداخلي فإن لها في الشركاء الخارجيين شبكة أمان من الإفلاس. إلا أن العاملين في هذا المجال -والسيد كراجيسكي منهم- آثروا التكشير عن نزعة استعمارية بغيضة ظن العالم أجمع أنها ذهبت بلا عودة، لكن التاريخ يعيد نفسه.
المريع في هذا الأمر برمته أن أمريكا مدينة بدينها العام للعالم، وعلى رأسه الصين، وما فعلته معنا في البحرين -على يدي سعادة السفير- دفع بنا جميعاً لنوثق عرى التوافق والتعاون السياسي والاقتصادي مع أكبر دائنيها ومن لف لفهم، وأصبح كل ما له علاقة بأمريكا اليوم موضع شك.
سعادة السفير «إن جاز لي مناداتك بها»- أهنئك لأنك دخلت التاريخ الأمريكي من أوسع أبوابه عندما قبلت أن تصبح trip wire لجهاز الإنذار الذي ذكر العالم بأسره بعادتكم التي كاد ينساها الكثير، وهي عادة غدركم بـ«الحلفاء والأصدقاء» ولو بعد حين.