تقول أم كلثوم: افتكرني.. لحظة حلوة عشنا فيها للهوى.. وافتكرني.. مرة غنوة يوم سمعناها سوى»، ويقابلها عبدالحليم متمنياً على الحبيب أن يحاول يتذكره ويلح ويؤكد بكلمته مع كثير من التمني «حاول.. حاول... افتكرني..» «على بالي أيام وليالي على بالي.. على بالي ليل ونهار تبقى على بالي» وينفي مسألة النسيان مع أنني أشك بذلك.
فهذا هو حال الشعب، وبالتحديد الشعب العربي الذي بات يعاني من مشكلات مستمرة في حياته اليومية بسبب الذاكرة الضعيفة، وبصراع دائم لإنعاشها وصعوبة أن نتذكر الأمور في أوقاتها الصحيحة. لكن محاولاتنا تفشل. ولكي نتخلص من ملامة اللائمين ونظرات العابسين وتعصيب المتشاجرين ننهي الحوار بكلمة «نسيت».
مع العلم أننا نكون جازمين أولاً بالقول «أنساك.. ده كلام؟! أنساك يا سلام.. أهو ده إلي مش ممكن أبداً». فلنتفكر لا أن نفتكر. كم مرة ألقينا اللوم على ذاكرتنا بأنها خانتنا في وقت ما وما بتنا نلاحظه أن هذه الذاكرة تخوننا في كل الأوقات، وما عدنا لنحتمل أن نتمتع «بنعمة النسيان» التي أغدق بها الله عز وجلّ علينا فبأيدينا حولنا هذه «النعمة» إلى «نقمة» وأصبحت عبئاً علينا.
دماغنا له حق علينا كي نقوم بالمحافظة على شبابه لأطول فترة زمنية ممكنة، لابد من الاستعانة بصديق دائم له، هذا الصديق مهمته أن يمد له يد العون عند الحاجة، فبكل بساطة لابد من استخدام «المفكرة اليومية» التي تعتبر في حياة الغرب جزءاً لا يتجزأ من يومهم، يسجلون بها كل صغيرة وكبيرة مع منبه الهاتف. سواء كان صاحب المفكرة شخصاً يعمل أو لا، في حين أنها تكون شغلنا الشاغل فقط في بداية العام ونتباهى بالمفكرة الأفخم والشعار الأجمل وطريقة التصميم الأرقى، نستخدمها بداية وبكل اندفاع ولكن سرعان ما تصبح مركونة في أحد أدراج المكتب.
أليس الحل بسيطاً مع العلم أن بعض الناس تتبع هذه الطريقة لأن التعميم هو من أحد المظالم، لكن قلة قليلة من تقوم بذلك ولكن الأكثرية تنفذ أمورها بطريقة «الأول فالأول» كي لا نقول بطريقة عشوائية.
حقيقة ما دفعني للتعليق عن هذا الموضوع وأنا في إحدى الدول الأوروبية في شهر أغسطس، لافتة مكتوبة في أحد المحلات: «مفكرة العام 2014.. نفذت من المخزن بانتظار الطبعة الجديدة»، وكل محل تجاري تجده عارضاً لمفكرة العام 2014. أحلف بالله للحظة اعتقدت أننا في شهر ديسمبر، لأننا عادة لا نعطي أمراً للمفكرة الجديدة إلا في شهر ديسمبر أو يناير. فكم هو جميل أن تصبح أمورنا منظمة موظبة بطريقة تجنبنا أن نلقي اللوم على ذاكرتنا، إنها تخوننا وإننا سئمنا ضعفها، وهو أنها ونحن لانزال في ربيع العمر. فالمشكلة ليست بالذاكرة وإنما فينا نحن كيف نتعامل معها، وفي هذا نضمن ما قالته فيروز: «بعدك على بالي يا قمر الحلوين يا سهرة تشرين يا ذهب الغالي.. بعدك على بالي..» كلمات حقيقية وليست من وحي الخيال.