الدنيــا تسير، والناس تمضي لتعيـــش حياتها، ماحصل في السابق لن يتكرر بنفس الدرجة، لأنه أصلاً من الجنون أن تتركــه الدولة ليتكرر. هناك من يحـــاول نسيان ما مر به من ألم وصعوبة، رغم أن النسيان صعب، بل محال حينما يرتبط بتهديد بلد ومصير، لكن هناك من مازال يركض وراء وعود واهية مازالت تسوقها جمعية تمثل فئة صغيرة بالمقارنة مع فئات المجتمع الأخرى، هذه الجمعية قادت أتباعها ومن يصدقها لمستوى «الإكستريم»، وفي النهايـــة -مثلما قالت زميلتنا العزيزة سوسن الشاعر أمس- سترونهم يقفون لتأدية القسم أمام جلالة الملك حفظه الله بعد الانتخابات القادمة.
السؤال ليس لهذه الجمعيات، أو بالأحرى للجمعية «الواحدة» التـــي تقود البقية وراءها كالقطيـع (والله مضحك حتى الليبرالي يقبل أن ينقاد من أنفه من قبل جمعية موغلة في التطرف الديني يأمرها فقيه فتطيع)، السؤال ليس لهؤلاء، بل للمخدوعين فيهم، ومن ظنوا بأنهم عبر قفزهم للدوار واعتلائهم المنصات، وسفرهم للخارج وللدول الأوروبية باهظة الثمن، أن هؤلاء هم من سيعطونهم «الجنة الموعودة» بصك من «الولي الفقيه»، السؤال لهم: هل مازلتم تصدقونهم؟! ألا ترون بأنهم قابلوا دعوة الحوار بركض سريع باتجاه المباركة وتركوكم في الميادين حتى إذا عادوا لكم غذوكم بشعارات وجيشوكم ثم تركوكم لتخرجوا في الشوارع وهم في بيوتهم آمنين، بل اليوم هم في اجتماعات للقصور يذهبون؟!
التخريب لا يطال كل البحرين اليوم، فلتات وأحــداث صغيرة تحدث في المدن الرئيسة وفي العاصمة وعلى حين غرة، وإلا فإن أجهزة الأمن محكمة سيطرتها على هذه المناطق الحيوية، التخريب يطال القرى يطال مناطقكم يطال بيوتكم ويطــال كل الخدمات التي وضعت في هذه المناطق لخدمة أهلها، فمن العاقل الذي يخرب بيته بيده؟! خدعكم مرة «خادم الولي الفقيه» ونزل ماسكاً كيس قمامة أسود لينظف معكم لدقائق وحتى تلتقط الكاميرا صوراً له ليستعرضها إعلامياً، طيــب، والباقــي مــن حياتكم الاعتيادية التي كنتم تعيشونها، من يرجعهـــا لكـــم؟!
والله يحكي لي أخ (أكرر أخ) من الطائفة الشيعية الكريمة يوم أمس عن الإرهاب الذي يمارس في منطقة سكنه بإحدى القرى، كيف أن الناس محكومة بأن تلبي أوامر جمعية الولي الفقيه، عليها شل حياتها لأجل عيون الأمين العام، والتجار الذين يرفضون الانصياع تتم محاربتهم وتخوينهم وإن كانوا من إخواننا الشيعة (ويتباكون على من يقاطعهم المخلصون لأنهم مولوا الدوار وقبلوا بما فيه). أتنكرون أن ذلك يحصل، وأن هناك جموعاً ملت وطفح كيلها لكن الخوف من الانتقام والترهيب يجعلها على وضع «الصامت»؟!
الحكومة نفسها تستشعر هذه المعاناة، وما قاله سمو رئيس الوزراء حفظه الله يوم أمس بشأن وضع القرى جراء حرق أبنائها لها حقيقة واقعة، وتشخيص لوضع مؤسف، فالذي يحرق اليوم عمود إنارة أو حاوية قمامة هو لا يحرق الدولة ولا يزعزع منها شعرة، بل يحرق منطقته، يحرق الخدمات الموجهة له، والإيجابي بأن حكومة البحرين ليست حكومة خامنائي ولا بشار الأسد (حاشاها أن تكون) بحيـــث تترك أهالي هذه المناطق يأكلون مما صنعته أيديهم عبر عدم تصليح ما تم تخريبه أو تنظيف المناطق. هذا حق يقال وثابت لا يمكن نكرانه، وإلا ما يضير الدولة إن أرادت أن تعامل بالمثل بأن تجعل المخرب يعاني من جراء تخريبه؟!
اتقوا الله في هذا الوطن، المطالبة بأمور تحسين المجتمع لا تتم عبر تخريبه، إن كان الهدف الحقيقي هو الإصلاح، رغم الإدراك بأن الهدف الذي يقف وراء كل ذلك هو تنفيذ أجندة سياسية تخدم جمعية متمصلحة تريد المكاسب والمغانم السياسية لنفسها. أولا تسألونهم وهم الذين «استقالوا» من البرلمان ولم «يقالوا»، لماذا يقبلون باستلام رواتب تقاعدية ومبالغ من الدولة التي يريدون إسقاطها؟! لماذا قبلوا بعطايا وتنعموا فيها ولم يردوها لنظام يرونه «مستبداً»؟! لماذا يعلنون الحرب بين ظهرانيكم وحينما يجتمعون مع النظام يقولون بأنهم يريدون التوافق؟! قليلاً من العقل، فما ضيعت الأمم إلا التبعية العمياء التي لا تفند الأمور، وليست فقط في جانب معارضة، بل حتى في جانب الدولة، لا تصح التبعية المطلقة لأمور هي أخطاء بل الإصلاح مطلوب والدعوة له لكن باللغة الصحيحة وبالأسلوب الأمثل. يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم يقولون هذا من فعل الدولة! والله تخدعون أنفسكم قبل محاولتكم خداع العالم، والأدهى أنكم تدركون ذلك وتكابرون، وتراهنون على مجموعة لو رأت أن مصلحتها بالدوس على رؤوسكم لفعلت.
رجال الأمن «تاج على الرأس»..
والله مهما قلنا في حق رجال الأمن فلن نوفيهم حقهم، يكفي أنهم اليوم من يواجه خطر الاستهداف الجسدي والمتلقين لقنابل المولوتوف والأسياخ وغيرها من أسلحة الشر التي تستهدف أرواحهم، يكفي أنهم من تزهق أرواحهم جراء وجودهم في فوهة المدفع ليحموا الوطن ويؤمنوا الحماية لأهله، هؤلاء رجال عاهدوا الله، فلهم كل التحية والتقدير.
فارق كبير بين من يحمي وطنه وبين من يحرقها، فارق كبير وبون شاسع بعد السماء السابعة والأرض السابعة السحيقة بين هؤلاء الرجال وبين مجموعة لا يطرف لها رمش لو حرقت البلد بمن فيها. اليوم يجب أن توجه التحية لكل رجل أمن على ثغر من ثغور هذا الوطن، رجال لا يمتلكون الصلاحيات التي تمنح لمثلهم في دول عديدة على رأسها بريطانيا والولايات المتحدة ليدافعوا عن أنفسهم، لكنهم رغم ذلك يقومون بواجبهم مهما كانت درجة الخطر وبكل الطرق الممكنة لعدم تعرض أحد لسوء لكنهم هم من يطالهم الأذى لدرجة القتل.
رحم الله شهداء الواجب، رحم الله البطل البلوشي الذي انضم مؤخراً لقافلة من ضحوا بأرواحهم لأجل تراب البحرين وأهلها، رغم أن الوجع كبير والألم أكبر بشأن القصاص ممن أهدر دمهم وحرض عليهم واستهدفهم. كل رجل أمن يحمي هذا الوطن ويقوم بواجبه هو «تاج على رأس» الشرفاء، نعم هؤلاء من يوضعون على الرأس، من يفدوننا بأرواحهم، لا من يخدعون الناس ويوهمونهم بالخطابات والشعارات ثم يقبلون بأن يحولوا الناس لـ «قرابين» إن ماتوا فهم مجرد أرقام يضعونها في إحصائياتهم ويركضون بها لوسائل الإعلام.
ستبقى بلادنا محفوظة بفضل الله عز وجل ثم بفضل تفاني وإخلاص هؤلاء الرجال البواسل، فلهم التحية فرداً فرداً، ومهما قلنا لن نوفيكم ما تستحقون.