«تنويع مصادر الدخل» عبارة نسمعها كثيراً من الوزراء المختصين والمسؤولين في مجلس التنمية الاقتصادية، وتضمنها برنامج الحكومة عدة مرات، وهو البرنامج الذي تقدمه الحكومة إلى المجلسين كل 4 سنوات، وتضمنته الرؤية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية، وفي كل الأحوال فهي عبارة تقال لكنها عندما نبحث عنها على أرض الواقع لا نجدها.
فالجميع إذاً يعون تماماً ماذا تعني عبارة تنويع مصادر الدخل، ويدركون السبيل لتحقيق هذا الهدف، ولماذا على دولة مثل البحرين أن تعمل على تنويع مصادر دخلها، لكن لا أحد من هؤلاء المسؤولين في الماضي ولا في الحاضر يعملون جدياً على ذلك.
من حيث الهدف من التنويع، فإن أي دولة صغيرة مثل البحرين تعتمد على إيرادات إنتاج نفطي محدود من حيث الكمية، ومن حيث العمر الافتراضي لإنتاج الحقلين (البحرين وبوسعفة)، والأهم هو تقلبات أسعار النفط، وهي تقلبات تحدث على مستوى العالم وتتحكم فيها عوامل خارجية، فإن انخفضت إلى ما دون السعر المستهدف في الميزانية العامة للدولة، الذي يجعل هذه الميزانية متوازنة، أصيبت هذه الميزانية بعجز تطلب معالجته باللجوء إلى الاستدانة، وزيادة الدين العام.
وبالتالي فإن أي دولة تتطلع إلى تنمية مستدامة، وإلى المحافظة على معدل إنفاق يغطي احتياجات هذه التنمية ولا يتعرض إلى هزات مفاجئة تؤدي إلى تخفيض الإنفاق العام، لابد أن تبحث عن مصادر أخرى للدخل غير المصدر الوحيد وهو النفط، ولابد أن تقوم بوضع خطة للتحول من الاعتماد شبه الكلي في دخلها على النفط، إلى مصادر أخرى غير نفطية.
وفي الوقت الحاضر، بل ومنذ أن تم اكتشاف النفط عام 1932 فإيرادات الميزانية العامة للدولة تنقسم إلى قسمين: الإيرادات النفطية، والإيرادات غير النفطية، لكن الوضع على مدى هذه السنوات الطويلة يسير دائماً في غير صالح الإيرادات غير النفطية التي تتراوح عادة بين 15%-25% في حين تستحوذ الإيرادات النفطية على ما بين 75%-85% ومع أن الإنفاق في الميزانية العامة في زيادة مستمرة سنة بعد سنة ودون توقف، بغض النظر عن انخفاض أسعار النفط وتقلص الإيرادات النفطية والعامة، فالإيرادات والمصروفات في ميزانية البحرين لا ارتباط بينهما ولا تأثير أو تأثر من أي منهما على الآخر، مع ذلك فالدولة لا تعمل على توازن الإيرادات والمصروفات بزيادة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل.
قبل حوالي 20 عاماً فكرت الحكومة عن طريق وزارة التنمية والنفط في ذلك الوقت، بتنويع مصادر الدخل، ويومها استدعت خبيراً اقتصادياً أجنبياً يعرف البحرين جيداً وعاش فيها مدة طويلة هو السيد دون هيبورن الذي تقاعد من رئاسة بابكو، وطلبت منه أن يعد دراسة عن كيفية تحقيق تنويع مصادر الدخل في البحرين، والمجالات والقطاعات الاقتصادية والمالية غير النفطية التي بالإمكان الاعتماد عليها في هذا التنويع مرتبة حسب الأولوية والأهمية.
وإضافة إلى ما يمتلكه دون هيبورن من معلومات وأرقام، ومن قدرة على التحليل الاقتصادي، فقد قام بإجراء مقابلات مع العديد من البحرينيين أصحاب الاختصاص والعلاقة بالشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية ركز فيها على معرفة إجابة هؤلاء عن سؤال يقول: أي القطاعات ترى أكثر فائدة للبحرين لتنويع مصادر دخلها؟
وبعد أن انتهى هيبورن من وضع دراسته سلمها للجهة التي كلفته بإعدادها، وغادر الرجل إلى بلاده الولايات المتحدة، وبقينا نحن هنا ننتظر اليوم الذي تعلن فيها الحكومة عن نتائج تلك الدراسة دون جدوى، فقد دخلت الدراسة أحد الأدراج بوزارة الصناعة والتجارة أو أي وزارة أخرى، ولم تخرج منه حتى الآن رغم المحاولات التي بذلت من أصحاب الشأن والصحافيين لمعرفة ما خلصت إليه تلك الدراسة.
بعد فترة من الزمن عاد هيبورن إلى البحرين ضمن زياراته المتكررة لها والنابعة من محبته للمملكة، والتقيت به في هذه الزيارة وسألته عن القطاعات التي أعطاها الأولوية في تنويع مصادر الدخل، فقال ببساطة: لقد اعتمدت على الآراء التي جمعتها من المختصين، والتي جاء أغلبها يحبذ الاعتماد على مصدرين هما الصناعة والضرائب، إضافة إلى مصادر أخرى.
ومن جانبي فأنا أتفهم لماذا تتحاشى البحرين ومعها دول مجلس التعاون الضرائب، وبالتحديد ضريبة الدخل المتدرجة أو المتصاعدة، ولماذا قال عنها وزير المالية في التسعينات: إنني شخصياً لا أحب كلمة الضرائب، وقال عنها وزير المالية قبل أسبوع: إن الوقت لم يحن بعد للأخذ بنظام الضرائب دون أن يحدد متى يحين هذا الوقت، لكنني لا أفهم لماذا لا تأخذ الصناعة مكانتها في تنويع مصادر الدخل وحل مشكلة البطالة؟!