هم أنفسهم منذ عهد الرسول يتبرؤون ويحلفون بالله ما فعلوا، وهذه هي حادثة نزلت في عبدالله بن نَبتل، حيث كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعيني شيطان»، فدخل عبدالله بن نبتل، فقال له رسول الله: «علام تشتمني أنت وأصحابك؟» فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له رسول الله: «فعلتَ»، فانطلق وجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما شتموه، فأنزل الله تعالى «يوْمَ يبعثهمُ اللهُ جميعاً فيحلفونَ لهُ كما يحلفونَ لكمْ، وَيحسبونَ أَنّهمْ على شيءٍ، ألا إِنهمْ همُ الكاذِبونَ».
وها هو عيسى قاسم يتبرأ في خطبة الجمعة من تفجير الديه كما تبرأ من التفجيرات السابقة، وذلك كعادته وعادتهم، لكن تبرئته هذه المرة جاءت متناغمة مع تغريدة الوزير السابق التي قال فيها «كلما اقتربنا من حل سياسي يحدث أمرٌ ما يعيدنا لمربع الحل الأمني! تفجير الرفاع، اعتقال خليل مرزوق وأخيراً تفجير الديه، ضمن هذا السياق»، وهو ما جاء متناسقاً مع خطبة عيسى قاسم التي قال فيها «ما يقضي به الحق ألا يصب النظر دائماً على طرف، ويهمل طرف آخر لا تقل قرائن احتماله عن قرائن احتمال الطرف الآخر خاصة مع هذا الارتباط المتكرر من أي دعوة للحوار، كلما أطلت بادرة حوار برأسها على الساحة هذا يستفيد وهذا يتعملق من وراء أي حادث تفجيري أو ما مثله، فلم لا يغريه أن يكرر حادث تفجيري وعمل تخريبي آخر»، أي أن الاثنين اتفقا على تبرئة الميليشيات الصفوية التابعة للوفاق والتي قامت بتنفيذ تفجير الديه وغيره، وربطا التفجير بالطرف الآخر الذي يرفض دعوة الحوار، ولذلك ذكر الوزير السابق بأن اعتقال خليل مرزوق عملية من أجل تأخير الحوار وكذلك عمليتا التفجير، وهو ليس اتهاماً للطرف الرافض للحوار بل أيضاً هو اتهام للحكومة.
إن هذه الفبركة كانت جاهزة قبل تنفيذ التفجير، خاصة أن التفجير كان يقصد به تدويل القضية ليس خليجياً بل دولياً، وذلك حينما تكون الدولة ردت على الحادثة والتي كان يقصد بها ضابط إماراتي بعينه، وبوجود مفوضية الحقوق التي ستسجل الإجراءات الأمنية التي ستقوم بها الدولة رداً على عملية تفجير كبير من هذا النوع، ولتؤكد شراكة دول الخليج في القمع الذي يدعونه، كما ستتبرأ الوفاق من علاقتها بالعملية، لذلك كانت إدانتهم للتفجير مباشرة، وستطلق بعدها الوفاق التقارير التي ستعتمدها المفوضية وغيرها من المنظمات الحقوقية التي ساندت المؤامرة الانقلابية، وأن مدبري التفجير كانوا على علم ويقين أن الأحكام هذه المرة ستصل لعقوبة الإعدام مما يصب في مصلحة الوفاق التي ستخدم الحكم دولياً لإدانة للدولة.
نعود إلى التشابه والتنسيق والتكتيك بين تغريدة أخرى للوزير السابق والتي قال فيها «وسائل التخاصم الاجتماعي والصحافة تزخر بمخلوقات تنشط على مصائب الوطن وتتحمس لصب الزيت على النار، فنجاحهم يعتمد فقط على فشل الآخرين»، وعيسى قاسم يقول ذات الشيء «تجد الموالاة ربحاً هائلاً في أي حادث من هذا النوع، وفرصة ضخمة للتملق والتسلق وفرض الشروط»، والفرق بينهما وصف الشرفاء، حيث وصفهم الوزير السابق بـ«المخلوقات» ووصفهم عيسى قاسم بـ«الموالاة».
إذاً فعلمية التفجير كانت مقصودة بوجود مفوضية حقوق الإنسان لتسجيل الإجراءات الأمنية التي تنفذها الدولة، والتي لن تحدث في الأيام العادية، لأن المفوضية لن يخدمها الأمن المستتب، خاصة أن العمليات الإرهابية التي تقوم بها ميليشيات الوفاق لا تخدم تقارير المفوضية، حيث جاءت هذه المفوضية عنوة لتسجيل ما تدعيه الوفاق من انتهاكات إنسانية وحقوقية، إذ استطاعت الوفاق أن تخلق هذا الجو الأمني بالتفجير واستطاعت أن تنفذه بكل دقة وتنسيق. إذاً فحادث التفجير تم إعداده إعداداً محكماً من الجهات المتآمرة، حيث تم الإعداد لما قبل العملية وما يعقبها من إعلام، والذي يبدأ بالإدانة إلى التملص ومن ثم التشكيك، وهم بارعون في التشكيك، فمن استطاع أن يقنع العالم بأن حادثة دهس المريسي هي حادثة مفبركة وأن جسده مجرد دمية، فلا تستطيع أجهرة إعلام الدولة أن تجاريها وهي المحصورة في بيانات المتحدث باسم الحكومة وجلب شخصيات يستنكرون الحادث على تلفزيون البحرين، في الوقت الذي تملك فيه الجهات المتآمرة أطقماً متفرغة من كتاب وصحافيين مهنتهم الكتابة والصياغة لحظة بلحظة.
على الدولة اليوم أن تأخذ حذرها من ابن نبتل، كما نتمنى منها أن تصنع إعلاماً يستطيع مواكبة الحدث والرد لحظة بلحظة على إعلام ابن نبتل وأصحابه.