القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء والذي ينص على «إطلاق مشروع لتدريب وتوظيف 10 آلاف باحث عن عمل للعامين 2014-2015، حيث يستهدف المشروع 4 آلاف من حملة البكالوريوس و 2000 من حملة الدبلوما و 4 آلاف من حملة الثانوية العامة، ووافق المجلس كذلك على خطة تمويل المشروع المقترحة من قبل اللجنة الوزارية للشؤون المالية والاقتصادية بقيمة 13 مليون دينار لتمويل العام الأول من المشروع، وكلف وزارة العمل بتنفيذه».
هذا القرار ليس جديداً، ولن يؤدي إلى تحقيق الهدف الأساسي منه وهو إيجاد وظائف لهذا العدد من المواطنين بعد تدريبهم وجعلهم مرغوب في توظيفهم من قبل القطاع الخاص، وذلك لأنه ليس القرار الأول من نوعه، فقد سبقته قرارات ومشروعات كثيرة مماثلة، صرفت عليها ملايين الدنانير، ولم تفلح إلا في توظيف القليل جداً من المستهدفين.
السؤال الذي على مجلس الوزراء أن يطرحه على وزارة العمل قبل إقرار هذا المشروع هو: لماذا فشلت مشروعاتكم المماثلة السابقة، وبالتالي ما هو الخلل او الفجوة بين مخرجات التعليم بدرجاته وبين متطلبات سوق العمل، والذي كان يؤدي دوماً إلى نتائج معاكسة.
نستطيع أن نقول إنه خلال السنوات الست الأخيرة على الأقل أعطت محاولات ومشروعات التوظيف التي نفذت نتائج في صالح إيجاد المزيد من الوظائف للعمالة الأجنبية وبمعدل 90% من الوظائف المعروضة في سوق العمل، على الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد الخريجين الجامعيين وأولئك الذين تدعم تمكين تدريبهم وتأهليهم، بالإضافة إلى معاهد التدريب المختلفة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ذكر تقرير صادر عن هيئة سوق العمل «أنه خلال النصف الأول من العام 2010 خلق القطاع الخاص 20 ألف و 800 وظيفة جديدة ذهب جلها للعمالة الأجنبية بواقع 19 ألفاً و 437 وظيفة (بنسبة 93%) فيما كان نصيب البحرينيين من هذه الوظائف فقط 1363 وظيفة وبنسبة 7%».
وفي نفس العام « شهد الربع الثاني نسبة عالية جداً من خلق الوظائف الجديدة إذ بلغت 12 ألفاً و 830 وظيفة كان نصيب البحرينيين منها 862 وظيفة فقط والأجانب 11 ألفاً و 140 وظيفة».
ومن حيث النوعية «خلق السوق في النصف الأول من العام نفسه 593 وظيفة بأجور تزيد عن الألف دينار، حصل الأجانب على 578 وظيفة منها، بينما حصل البحرينيون على 15 وظيفة فقط».
وهناك أرقام أخرى تتحدث عن تدني نسبة البحرنة التي تراوحت خلال هذه السنوات بين 19% و 23%، وكذلك الحال بالنسبة لمعدل أجور البحرينيين إلى أجور الأجانب، وبالتحديد تدني أجور الجامعيين حيث أظهرت دراسة سابقة لوزارة العمل لمعرفة أوضاع الجامعيين العاملين في القطاع الخاص أن هناك 3 آلاف منهم يعملون بأجور تقل عن 400 دينار، مضيفاً أن الوزارة بدأت فعلياً في الإعداد لمشروعها لموازي لمشروع تأهيل وتوظيف الخريجين الجامعيين بتحسين أجور العاملين في القطاع الخاص ممن تقل أجورهم عن 400 دينار.
ما الذي يعنيه كل هذا..؟ إنه يعني فشل مشروعات التدريب والتوظيف الكثيرة السابقة، ويعني فشل مشروع إصلاح سوق العمل، وفشل سياسة البحرنة التي شهدت الكثير من التخبط في تحديد وإلغاء نسبها، وفي ربط توظيف العمالة الأجنبية بعدد توظيف البحرينيين.
وبالتالي فإن الحل يكمن في مواجهة هذا الطوفان من الأجانب، ومن العمالة الأجنبية الذين فاق عددهم 590 ألف شخص، بالإضافة للعمالة السائبة أو غير النظامية التي تزيد عن 40 ألف شخص، وهي المواجهة التي تتطلب استراتيجية واضحة وحاسمة لتنفيذ قرار مجلس النواب الأخير بإصدار قانون يلزم الحكومة ببحرنة الوظائف التي يشغلها الأجانب، وتطبيق نص الدستور الذي يعتبر توظيف الأجانب استثناءً محدوداً ولوقت معين، وأن يرتبط هذا التوظيف الاستثنائي المحدود بتدريب بحرينيين لكي يحلوا مكان الأجانب حالما انتهت فترة توظيف الأجنبي.
ومواجهة هذا الطوفان الذي يدفع بالبحرينيين إلى أن يكونوا أقلية في وطنهم، وأقلية في أعمال وطنهم، بل حتى في الوظائف الحكومية التي يزيد عدد الأجانب فيها عن (6882) موظفاً، مواجهته بوضع حد أقصى لإعطاء التراخيص لاستقدام العمالة الأجنبية، بحيث يسير العدد الإجمالي بالتناقص سنوياً مقابل إحلال البحرينيين مكانهم، وعدم قبول أية أعذار تدعي بعدم وجود البحريني الذي يشغل الوظيفة، أو أنه غير مدرب، أو لا يقبل بالأجر المتدني الذي يعرض عليه.
إن العمالة الأجنبية لم تعد مقتصرة على قطاع وقطاعين اقتصاديين فقط مثل قطاع المقاولات والفنادق والمطاعم مثلاً، وإنما باتوا يشغلون الوظائف في كل مجال وجميع مناحي الحياة، ومنها الكثير من الوظائف التي يمكن للبحريني أن يشغلها وأن يتفوق فيها ويثبت جدارته بمجرد حصوله على التدريب على رأس العمل.
على مجلس النواب ومجلس الوزراء أن يدعما وزارة العمل في وضع استراتيجية جديدة لتوظيف البحرينيين، مدعومة بقانون، تعطيهم الأولوية والأفضلية والأجور المجزية المغطية لمستلزمات المعيشة، باعتبار العمل حق من حقوق الإنسان يحصل عليه في وطنه أسوة بما يحدث في جميع بلدان الدنيا.