لو تمت المصالحة الفلسطينية بنجاح فلا عزاء لتل أبيب وواشنطن، فالمصالة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس ستمثل نقلة نوعية من التقارب الفلسطيني - الفلسطيني بعد أكثر من سبعة أعوام حقيقية من «صراع الإخوة»، وفي حال تحققت الغاية من المصالحة فإن فرص السلام «المزيفة» سوف تسقط في الوحل.
قلنا «المزيفة» لأنها فرص عقيمة لم تتمخض عنها سوى المماطلة والوعود الكاذبة، وما يعزز هذا الفهم هي ردود الأفعال الإسرائيلية الأمريكية التي جاءت بعد الجلسة الأولى للمصالحة، حتى قبل أن يتحقق أي من بنودها فعلياً، فالغضب الإسرائيلي من تصالح الإخوة بات واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين الصهاينة والأمريكان كذلك.
سنستعرض هنا بعضاً من ردود الأفعال التي صاحبت المصالحة الفلسطينية من طرف إسرائيل وأمريكا، لنعرف مدى كراهية الغرب للوحدة الفلسطينية في هذه المرحلة.
فقد أعلن جون كيري أنه لم يكن لديه أي إنذار مسبق باتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، والذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع الأخيرة، والتي دفعت هذه الحركة إسرائيل إلى تعليق المفاوضات، وأكد كيري توقف عملية السلام في الوقت الراهن، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
من جهة أخرى؛ وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتفاق المصالحة الفلسطينية بأنه غير مفيد، وقوَّض محادثات السلام مع إسرائيل، وشدد على أنه مازال من مصلحة الجانبين التوصل إلى اتفاق سلام.
وقال الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر صحافي؛ إن اتفاق المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس يعد أحدث مثال على الخطوات «غير المساعدة» التي قوضت المباحثات، وأضاف: «نحاول أن نعيد إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين، وكل مرة نصل إلى هذه المرحلة يضع أبومازن شروطاً إضافية مدركاً بأن إسرائيل لا تستطيع أن تقبلها».
وأضاف أوباما كذلك أن توقف المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يؤكد أن كلا الجانبين لم يبدِ إرادة سياسية لاتخاذ قرارات صعبة من شأنها دفع محادثات السلام في الشرق الأوسط قدماً. وأوضح أن التوقف المؤقت في محادثات السلام قد يكون لازماً كي يفكر كلا الطرفين في بديل لعملية التفاوض، وأضاف «إن الفلسطينيين والإسرائيليين بحاجة إلى وقفة لمراجعة مواقفهم».
هذا بالنسبة لواشنطن، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد قال بخصوص المصالحة بين فتح وحماس: «بدلاً من أن يمضي أبومازن قدماً في صنع السلام مع إسرائيل، فهو يمضي قدماً في المصالحة مع حماس». وحذر بأنه يجب على عباس أن يختار؛ هل هو يريد المصالحة مع حماس أم السلام مع إسرائيل؟ إذ لا يمكن تحقيق الأمرين، بل أحدهما فقط. وعبر نتنياهو عن أمله في اختيار عباس للسلام، وشبهت إسرائيل اتفاقية المصالحة الفلسطينية بالزواج العرفي.
إن الوقوف في المنطقة «الصح» في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، هو المطلوب من الإخوة الفلسطينيين، وحين يدرك الإخوة في فلسطين أن الغرب والصهاينة غير راضين كل الرضا عن جلوس الإخوة مع بعضهم بعضاً، ورفضهم المطلق للمصالحة ولبنود اتفاقية القاهرة والدوحة، فهذا يجب أن يعطيهم انطباعاً أولياً أن مواقفهم سليمة للغاية، كما إنهم يقفون في المنطقة «الصحيحة» من الواقع الذي كان يجب أن يكون قبل عقود من الزمان، فهل ستنجح المصالحة الفلسطينية؟ أم ستنهار سريعاً كما ينهار أي حلم عربي؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، إذا لم تجب عنه تل أبيب وضغوطات واشنطن قبل ذلك.