خبر مثير نشرته الزميلة «البلاد» يوم أمس مفاده -نقلاً عن مصادر- بأن هناك تغييرات ستطول مناصب عليا في وزارة الخارجية، إضافة إلى التوجه لإلغاء وزارة حقوق الإنسان وضمها كإدارة للخارجية، وأيضاً -وهو خبر مقلق إن صح- وجود نية لمسؤولي «الخارجية» لإحالة «جميع» الموظفين في حقوق الإنسان إلى التقاعد.
بناء على الجزئية الأخيرة من الخبر والمعنية بموظفي وزارة حقوق الإنسان واحتمالية إحالتهم للتقاعد؛ تلقيت اتصالات من موظفين يعربون عن قلقهم من صحة هذه الأنباء، وعليه فإننا نلفت عناية الدولة هنا لعدة أمور مهمة مبنية على مضامين الخبر المنشور.
لكن أولاً وقبل التعريج على موضوع موظفي الوزارة؛ فإن تغييرات المناصب العليا في «الخارجية» مسألة نراها مطلوبة رغم كونها إجراء اعتيادياً يحصل في أي قطاع، لكننا نقول هنا بأن التغييرات التي تتم في كافة قطاعات الدولة يجب أن تكسر العرف الذي تعودنا عليه، يجب أن تبتعد عن سياسة التكريم والاسترضاء والاحتواء، ضعوا الكفاءات والأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة، هكذا تضمنون أقلها بأن العمل يمكن أن يتطور إلى الأفضل، لا أن تتحول المناصب لمكافآت وتهيئة للتقاعد.
ثانياً في شأن وزارة حقوق الإنسان واحتمالية إلغائها؛ نقول وكلنا أسف بأننا شهدنا في السنوات الأخيرة إجراءات عديدة معنية بقطاعات الدولة وأجهزتها، المتتبع لها يخرج بقناعة أننا نعمل دون أية استراتيجية عامة للدولة، ولسنا نملك أقل القليل من التخطيط، وإلا بالله عليكم -إن صح الخبر- وزارة تعود لتتحول إلى إدارة؟! هذا يعني شيئاً واحداً لا غير، وهو أن الوزارة أنشئت من غير دراسة مسبقة حول جدواها وحول حتمية وجودها، وإن أردنا أن نضيف عاملاً آخر فهو سيعني بأن هذه العملية «داون كريد من وزارة لإدارة» نتيجة لعدم قيام المسؤولين عنها بعملهم، وفي هذه الحالة نسترجع كثيراً من الانتقادات على أدائها في المحافل الدولية والانتقادات التي طالت وزيرها.
المشكلة أننا شهدنا حالات عديدة من عمليات فصل وزارات، ودمج وزارات، وإرجاع وزارات لأخرى، وتحويل قطاعات لوزارات، وإلغاء وزارات وتغيير مسميات، كلها تمت خلال السنوات الماضية، وطبعاً هذا كله في جانب، إذ الجانب الآخر يتمثل بالهيئات شبه الحكومية والتي كانت لها استقلالية إدارية في السابق واستقلالية شبه مالية، لكنها اليوم عادت لتكون تحت كنف مجلس الخدمة المدنية إلا بعضاً منها، وهذا بحد ذاته أيضاً يمثل حالة غريبة من الاستثناءات قد نطرقها في مواضيع أخرى، لكن نقول هنا بأنه لو سألت حتى بعض وزراء الدولة بشأن عدد الوزارات والقطاعات التي تندرج تحت تفريعات الحكومة لما كانت النتيجة الاتفاق على رقم معين.
هذه مؤشرات تؤكد انعدام الرؤية وتثبت ضعف التخطيط والتخبط في بناء أي استراتيجية صحيحة، وهو ما يستوجب على الدولة اليوم أن تقف لتقييم شكلها وهيكلها من ناحية القطاعات والأجهزة وأن تعمل على تقويم أية أوضاع إن كانت مختلة، والأهم أن تحدد ما تريد، هل هي تريد تقليص الوزارات بالتالي عدد الوزراء، أم زيادة الأجهزة بإنشاء هيئات جديدة رغم أن الوضع لا يسمح بأية زيادات أو قطاعات تنشأ وتتحول إلى ديكور وبهرج إعلامي؟! وهنا أرجعكم لتصريحات كانت صادرة عن الدولة في عام 2008 تفيد بأن رؤيتها هو إنشاء حكومة صغيرة مقننة وكفوءة، هذه تصريحات قديمة قبل قرابة 6 سنوات، لكن بين الرغبة والفعل نجد أن الأمور سارت عكس الاتجاه.
نطرق أخيراً المعلومة التي سببت قلقاً لدى بعض موظفي وزارة حقوق الإنسان، إذ مسألة إحالة «جميعهم» إلى التقاعد نراها مسألة فيها مبالغة، إذ هم موظفون في الدولة، ونعرف تماماً أن الوظيفة الحكومية صعب الفصل فيها إلا نتيجة جنح وجرائم ومخالفات للوائح، إضافة إلى ذلك فإن كثيراً من الموظفين هم من الشباب وصغار السن، فعن أي تقاعد نتحدث هنا؟!
إن كانت الفكرة ترتبط بعدم جدوى استمرار وجود وزارة لحقوق الإنسان وإلحاقها كإدارة لوزارة الخارجية باعتبار أن الأخيرة قادرة على القيام بهذا الدور الحقوقي على أكمل وجه، فما هو ذنب الموظفين إن غيرت الدولة رأيها؟! بل لو كانت الأسباب معنية بأداء الوزير أو كبار المسؤولين فيها، فما علاقة الموظفين ليدفعوا هم أيضاً ثمناً جماعياً لأداء لم يرتقِ للتطلعات المنشودة مبني على استراتيجية «إن وجدت» لم يكونوا جزءاً من واضعيها؟!
الفكرة فيما نقول هنا -ولسنا نتحدث أصلاً كتقييم للأداء لأن هذه الجزئية يطول فيها الحديث- الفكرة مرتبطة بضرورة إخضاع أي رؤية وأي توجه لدراسة جدوى حقيقية وتحديد الإيجابيات المتوقعة، والأهم تحديد السلبيات والمخاوف والتحديات التي يمكن أن تطرأ، وفوق هذا كله وضع مصلحة الموظف البحريني في المقام الأول، إذ لا نريد بأن نرى تكراراً لعمليات إحالة للتقاعد بصورة لا مفر منها كما حصل مع بعض الشركات التي تمتلك الحكومة أسهماً فيها، ولا نريد أن نرى موظفاً يصاب بالإحباط بإغلاق قطاعه وإحالته قسراً على التقاعد نتيجة عمل هو ليس مسؤولاً عن تحديد ملامحه ولا إجراءاته.
نلفت عناية الدولة لهذه المسألة، والأهم من ذلك كله نلفت عنايتهم للموظفين البحرينيين وحقوقهم باعتبار أن الدولة حافظة لحقوقهم ومحققة لأمنهم الوظيفي طالما التزموا بواجباتهم.