ليس هنالك أغنى من التجارب السياسية التي يمكن لها أن تثري الواقع والمستقبل في مجال إدارات الدول والمجتمعات والشعوب، فكلما كانت التجارب صعبة وقاسية ومؤلمة، كانت نتيجة الاستفادة منها كبيرة جداً، فالدول لا تبنى على الأوهام والأحلام، بل تبنى على أساس العديد من التجارب الواقعية، كذلك حياة الشعوب، فإنها لا تقوم على الخرافات والكسل، لكنها تتطور حسب كميات التجارب التي تنتجها الخبرة وتضخها الأيام.
ربما واقعنا العربي يبعث الكثير من التشاؤم، سواء من طرف الحكومات العربية أو جهة من الشعوب، لكن بكل تأكيد ستكون المحصلة النهائية أن يستفيد كل العرب من التجارب السيئة والقاسية التي مروا بها عبر عقود من الزمن، خصوصاً في ظل الحقبة الراهنة من واقعنا العربي، والمليئة بالإرهاصات والفتن والفوضى.
نحن هنا نقول، إن من واجب العرب استثمار هذه المخاضات والتجارب السياسية المفيدة -بالرغم من قساوتها- لأجل الاستفادة منها لرسم واقع أفضل ومستقبل أرقى، هذا هو المأمول، وهذا هو الواقع الذي من المفترض أن يكون، وفي حال لم يستفد العرب من كل التجارب التي يمرون بها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخهم، فإننا سنجزم حينها أن العرب في عداد الموتى، فمن لم تحيه التجارب، فإن الموت لن ينفعه.
على الرغم من كل المشاهد المرعبة التي نشاهدها اليوم في أوطاننا العربية، وعبر تأكيداتنا المستمرة بأن الربيع العربي ليس ربيعاً عربياً، بل هو ربيع أمريكي صهيوني بامتياز، سنظل نعلق الجرس في عنق الحكومات والشعوب العربية، أملاً منا في أن يكون مستقبلنا أكثر إشراقاً من ماضينا وحاضرنا، لأننا نراهن على وعي الإنسان العربي أكثر من أي وقت مضى، كما نعول على استفادة الحكومات العربية مما يجري من أحداث سياسية على أراضيها، وفي أن يكون لها موقف تحترمه الشعوب ويُسجل بماء الذهب في التاريخ، وإلا إذا لم تتجلَ كل تلك المشاهد المعاصرة في أذهان واستراتيجيات العرب، فإننا سننعاهم في مقابر التاريخ.
هذه فرصة تاريخية عند العرب لا يمكن أن تتكرر، ومن هنا يجب أن تنهض الشعوب العربية على أساس العلم والوعي، لا على أساس الطائفية والكراهية فيما بينها، أما الحكومات العربية، فإنها يجب أن تتحرر ولو قليلاً من سطوة وهيمنة القوى العظمى، وأن تُعطي قدراً أكبر من المساحات الواسعة للحريات والديمقراطية، وأن تنهض بشعوبها لبناء مستقبل أوطان أنهكتها التشرذمات والكثير من الضياع.
إن التجارب السياسية الساخنة وربما الدموية، هي التي انتشلتْ اليابان وألمانيا وكثيراً من دول العالم بعد الحربين الكونيتين من الأوهام والركام إلى حيث البناء والوحدة، والتجارب السياسية لا غيرها، هي المعلم والمربي لتلك الشعوب من أجل أن ينهضوا عبر حزمة من الإجراءات الشعبية التي تعتمد على العلم والمعرفة والأخذ بأسباب التطور والنهوض، لا أن تبني شعوبنا مستقبلها على أنقاض الحروب ومعارك الكراهية وكثير من الخرافات، فبقدر الألم، نصنع الأمل، وما دون ذلك سنظل نقبع في الخلف دائماً وأبداً.