البيان الذي أصدرته أخيراً الوفاق والجمعيات السياسية التي صارت في جيبها والتي أهابت فيه «بكل أبناء شعبنا وقواه الحية وعلى رأسهم الشباب إلى اليقظة والحذر وعدم الانجرار وراء دعوات العنف التي تهدف إلى ضرب الحراك الشعبي السلمي في البحرين» كرد على الدعوات التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وحملت عنوان «انتفاضة الأعراض» والتي تتبنى بشكل مباشر استخدام العنف، وقالت عنها إنها دعوات مدانة تهدف إلى جر الشارع والحراك السلمي إلى مربع العنف، هذا البيان خطوة طيبة من هذه الجمعيات، لكن لا قيمة له لأنه مجرد كلام، فهو منزوع القيمة.
فما جاء فيه ليس جديداً وتكرره «الجمعيات الوفاقية» في كل مناسبة تزداد فيها نسبة التوتر، وحين لا يكون لها حيلة فتقول ما تعتبره بضاعة تأمل أن تجد لها من يشتريها، وإن استفزت بما تقول «رفاق» دربها الذين لا يوافقونها على «موقفها المتخاذل» هذا.
فأي قيمة في قولها «نرفض أي دعوة أو تحريض على العنف من أي طرف ونؤكد على حرمة استهداف الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وذلك من منطلق أخلاقي وإنساني ووطني»؟ هذا القول، وكذلك قولها إن «العنف محرقة لأبنائنا وتدمير للوطن وأهله» لا قيمة لهما إن لم يترجما إلى عمل وموقف ثابت يمكن لمسه ورؤيته على أرض الواقع، فما ثبت بالدليل القاطع على مدى السنوات الثلاث الماضيات هو أن هذه الجمعيات شاركت في العنف بل أسست له وروجت حتى وصلت إلى اليوم الذي افتقدت فيه القدرة على ضبط الشارع الذي لم يعد يسمع لها.
ثم من ذا الذي يصدق أن هذه الجمعيات (الوفاق ووعد والقومي والوحدوي والإخاء) التي استمرت تحرض الشباب على الخروج في مسيرات خارج القانون وإلى اختطاف الشوارع وتعطيل مصالح الناس وتعريضهم للخطر والإساءة إلى الحياة والاستقرار ورفع شعار «هيهات منا الذلة» وقول أمين عام الوفاق بأنهم باقون في الشوارع حتى تتحقق المطالب، وكذلك توزيع الشتائم يمنة ويسرة حتى لم يسلم منها كبير، من ذا الذي يمكنه أن يصدق أن هذه الجمعيات تستطيع أن تقف في وجه أولئك الذين صارت في جيبهم والذين إن وضعوها في «القائمة السوداء» انتهت وضاع تاريخها وحاضرها ومستقبلها؟
الرد على البيان من قبل ائتلاف فبراير وتيار الوفاء الإسلامي وحركة حق وحركة خلاص وغيرها من الحركات المنادية بالعنف، وخصوصاً تلك التي تتمركز في الخارج ولها في الداخل أذرع لا يستهان بها جاء على الفور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتمثل في هجوم كاسح وتعرية لهذه الجمعيات وتخوين والقول لها بصريح العبارة إن الساحة لا تحتاجك وأنه لا قيمة لك ولا مكانة وأن الأفضل لك التزام الصمت والانسحاب طالما أوصلت نفسك إلى هذه المرحلة، واعتبروها شاخت وخرفت، ووصفوها بـ«جمعيات العار» وتم اتهامها بالجبن والخوف على مصالحها حتى قالوا عن المنتمين إليها «تريدون لعق الأحذية»، وقالوا لهم إنكم «تحرفون الدين لمصالحكم»، وغير هذا من كلام عنيف وفر انطباعاً بأن موقف الجمعيات السياسية المتمثل في بيانها هذا لا تأثير له على من يسيطر فعلياً على الشارع ولديه القدرة على لحس عقول الشباب والأطفال، فهؤلاء يعتبرون هذه الجمعيات خارج الحراك وأنها دون القدرة على فعل شيء مفيد (هكذا تنظر القوى العنيفة التي تعتبر الشارع شارعها إلى الجمعيات السياسية).
إن كانت الوفاق وأخواتها تريد أن تقف ضد العنف فعليها أن تثبت هذا التوجه بالعمل وليس بالكلام وإصدار البيانات التي لا قيمة لها. لا يمكن للجمعيات السياسية التي تعمل تحت مظلة القانون أن تضع رجلاً هنا ورجلاً هناك، لأن الـ«هناك» سيرفضها مثلما يرفضها الـ«هنا».. وقد «تتعور»!