منذ تولى جلالة الملك حمد مقاليد الحكم جرت قفزات كبيرة تمهيداً للانتقال إلى الملكية الدستورية، حيث نقل النص الدستوري المعدل العديد من السلطات من يد الحكم أميراً كان أو ملكاً إلى يد الشعب، إنما نتيجة لسرعة الانتقال لم تتح الفرصة للمجتمع المدني أن يستوعب كم وحجم ونوعية الأدوات المتاحة والحريات المتوفرة، وحدها «جماعة الولي الفقيه» من أدركت أهمية الفرصة واستفادت من المناخ استفادة قصوى مكنتها من بناء قاعدة تنظيمية لمشروع دولتها في غفلة تامة للحكم وللمجتمع المدني.
فأسست مؤسسات تشريعية «حوزات ومجلس علماء وجمعيات إسلامية» ومؤسسات حزبية سياسية «الوفاق والعمل وغيرها» ومؤسسات مالية «جامعي الخمس والصناديق الخيرية» ومؤسسات عسكرية «خلايا إرهابية تدربت في إيران والعراق وسوريا» ومؤسسات حقوقية ومؤسسات إعلامية... إنك تتحدث عن دولة مكتملة الأركان داخل الدولة النظامية، بأن مناخ الحريات أتاح لها الفرصة أن تبني شبكة تحالف قوية خارج حدود البحرين «عضويات في منظمات دولية» والاتصال المباشر مع الحكومات الأجنبية عبر السفارات.
تموضعت هذه الدولة وتمركزت داخل البحرين ولها حلفاء إقليميون وحلفاء أجانب، ولا يمكن أن تنمو أي دولة نمواً طبيعياً وفي رحمها دولة أخرى لها أركانها الخاصة، هذا الكائن الرديف للدولة أصبح جامعاً للطائفة ومرتكزاً لها وممثلاً عنها وموفراً لها المظلة السياسية والمالية والخدمية، هذا الواقع نراه مترجماً على الأرض لا يحتاج لأدلة وبراهين، ويضع عبئاً كبيراً على المجتمع المدني وعلى نظام الحكم إن أرادت الدولة أن تعيد الأمور لنصابها الطبيعي، الذي لن يستقيم إلا بالدفع باتجاه تفكيك دولة الجماعة وتصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبه النظام.
لن يتمكن المجتمع المدني كمؤسسات سياسية ومدنية وإعلامية ومهنية أن ينمو هو الآخر نمواً طبيعياً بوجود بنية مؤسسية مرهونة بفكرة الفقيه المعصوم والمرشد الأعلى وعلماء الأمة ومخلصيها.
المجتمع المدني تخاذل وترك فراغاً كبيراً في الساحة فملأته الجماعة بسرعة لوجود مشروع متكامل ومعد وبنية تنظيمية هيكلية جاهزة لملء الفراغ فما أن منح النص المناخ والبيئة والأدوات حتى قفزت الجماعة وأزاحت الجميع وأكملت بناء دولتها!
المجتمع فقد الثقة في ما كان يسمى تياراً ديمقراطياً أو ما كان يسمى باليسار كي يساعده في سد هذا الفراغ، فقد حرق هذا التيار الهرم كل مراكبه وقطع طريق العودة للمدنية وتحول إلى ذيل وراء «الجماعة»، ولم يعد أمام المجتمع إلا الدفاع عن تفريغ الساحة من جديد من كل مظاهر الدولة البديلة التي خلقت وفتح المجال من جديد للبدء بداية صحيحة، حتى لو تعثرت، حتى لو طالت فترة نضوجها، إلا أنها ستكون محصنة من حصار الدولة الدينية.
قد نفتقد القيادات، قد نفتقد البدائل لكن لدى المجتمع وسائله للتعبير المباشر، لديه وسائله الإعلامية ولديه مؤسسات مدنية جديدة ولديه غرفة التجارة ولديه اتحادات نوعية وجمعيات نسائية ولديه شخصيات عامة مؤثرة، وسائل التواصل الاجتماعي بإمكانها أن تضغط على نظام الحكم وعلى السلطات كي تبدأ «الدولة» النظامية بإنهاء كل مظاهر «دولة الجماعة» وتفكيكها وإخلاء قواعدها وملاحقتها في الخارج وعدم السماح لها بالعودة والعمل في الداخل، وتبدأ بتفكيك شبكة تنظيم «دولة الجماعة» بأحزابها السياسية ومجالسها التشريعية وينابيعها التمويلية، إضافة إلى التصدي لجيشها وميليشياتها، بحزم وبلا تردد، وألا تبالي بضجيج الذراع الإعلامي للجماعة الذي يثير النعرة الطائفية حماية لنفسه لا حماية للطائفة، فالطائفة الشيعية موجودة قبل قيام دولة الجماعة وستظل، وحريات الطائفة الدينية كانت موجودة قبل دولة الجماعة وستظل بكل مظاهرها، ولا تعير نداءات الاستغاثة بالحلفاء الدوليين، فـ«دولة الجماعة» ليست عائقاً أمام قيام «ملكيات دستورية» فحسب، بل هي عائق أمام نمو مجتمع مدني يقود حراكاً ديمقراطياً سليماً.
ملاحظة:
نأسف للخطأ المطبعي الذي ورد في عنوان مقال أمس، فالصحيح حماية الطائفة لا حماية الطائفية.