في طفولتنا التي كانت تتحرك على عجلات الفطرة والعفوية والتعامل الجميل مع الآخر، تعلمنا أن «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»، إلا أننا عندما كبرنا نسينا هذه الحكمة البليغة التي ما قالها صاحبها الأول، إلا عن تجربة واقعية، وما تناقلتها الأجيال، إلا لأنهم رأوا فيها كل الصحة، فأصبحت مثلاً يقال في الأوقات التي يستعجل فيها الإنسان ويسخر من كلمة التأني.
قبل عدة أيام أرسل لي الصديق الفنان البحريني التشكيلي الكبير حميد سعيد، على «الواتس أب» حكاية واقعية تتحدث عن الاستعجال وما أدراك ما الاستعجال. وهي القصة منقولة عن بدر القطاني في مستشفى عسير.
تقول القصة: دخل استشاري جراحة الدماغ د.سعيد القحطاني إلى مستشفى عسير المركزي بعد أن تم استدعاؤه على عجل، لإجراء عملية فورية لأحد المرضى، لبى النداء بأسرع ما يمكن، وحضر إلى المستشفى، وبدل ثيابه واغتسل استعداداً لإجراء العملية. قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يذرع الممر جيئة وذهاباً وعلامات الغضب بادية على وجهه، وما إن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلاً: «علام كل التأخير يا دكتور؟ ألا تدرك أن حياة ابني في خطر؟ أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية؟».
ابتسم الطبيب برفق وقال: «أنا آسف يا أخي فلم أكن في المستشفى، وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكنني، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي، وكن على ثقة بأن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة».
لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب: «أهدأ؟ ما أبردك يا أخي، لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ؟ سامحك الله. ماذا لو مات ولدك، ماذا ستفعل؟».
ابتسم الطبيب وقال: «أقول قوله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون».. وهل للمؤمن غيرها؟ يا أخي، الطبيب لا يطيل عمراً ولا يقصره، والأعمار بيد الله، ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذه، ولكن الوضع خطير جداً، وإن حصل شيء فيجب أن تقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، اتق الله واذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك».
هز الأب كتفه ساخراً وقال: «ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصاً آخر لا يمت لك بصلة».
دخل الطبيب إلى غرفة العمليات واستغرقت العملية عدة ساعات.
خرج بعدها الطبيب على عجل وقال لوالد المريض: «أبشر يا أخي فقد نجحت العملية تماماً، والحمد لله، وسيكون ابنك بخير والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فوراً وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل».
حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل.
انتظر الأب دقائق حتى خرج ابنه من غرفة العمليات ومعه الممرضة فقال لها الأب: «ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟»، قالت له وبألم: «لقد توفي ابن الدكتور سعيد يوم أمس إثر حادثة، وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فوراً، لأنه ليس لدينا جراح غيره، وها هو قد ذهب مسرعاً لدفن ابنه، وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك!!».
إن ما تصوره والد الولد الذي أجريت له العملية، هو في تصوري من الأمراض التي تحتاج إلى علاج نفسي، وإلى مراجعة دقيقة للأخلاق، والعودة إلى طفولتنا البريئة التي تعلمنا منها الكثير، ولكن نسينا ما علمتنا إياه الفطرة السليمة، هل نتعظ ولا نصدر الأحكام، حتى ولو كنا نعيش في أزمة وخوف وقلق، ونبعد عنا سوء الظن، أرجو أن نكون كذلك.
{{ article.visit_count }}
قبل عدة أيام أرسل لي الصديق الفنان البحريني التشكيلي الكبير حميد سعيد، على «الواتس أب» حكاية واقعية تتحدث عن الاستعجال وما أدراك ما الاستعجال. وهي القصة منقولة عن بدر القطاني في مستشفى عسير.
تقول القصة: دخل استشاري جراحة الدماغ د.سعيد القحطاني إلى مستشفى عسير المركزي بعد أن تم استدعاؤه على عجل، لإجراء عملية فورية لأحد المرضى، لبى النداء بأسرع ما يمكن، وحضر إلى المستشفى، وبدل ثيابه واغتسل استعداداً لإجراء العملية. قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يذرع الممر جيئة وذهاباً وعلامات الغضب بادية على وجهه، وما إن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلاً: «علام كل التأخير يا دكتور؟ ألا تدرك أن حياة ابني في خطر؟ أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية؟».
ابتسم الطبيب برفق وقال: «أنا آسف يا أخي فلم أكن في المستشفى، وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكنني، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي، وكن على ثقة بأن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة».
لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب: «أهدأ؟ ما أبردك يا أخي، لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ؟ سامحك الله. ماذا لو مات ولدك، ماذا ستفعل؟».
ابتسم الطبيب وقال: «أقول قوله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون».. وهل للمؤمن غيرها؟ يا أخي، الطبيب لا يطيل عمراً ولا يقصره، والأعمار بيد الله، ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذه، ولكن الوضع خطير جداً، وإن حصل شيء فيجب أن تقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، اتق الله واذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك».
هز الأب كتفه ساخراً وقال: «ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصاً آخر لا يمت لك بصلة».
دخل الطبيب إلى غرفة العمليات واستغرقت العملية عدة ساعات.
خرج بعدها الطبيب على عجل وقال لوالد المريض: «أبشر يا أخي فقد نجحت العملية تماماً، والحمد لله، وسيكون ابنك بخير والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فوراً وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل».
حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل.
انتظر الأب دقائق حتى خرج ابنه من غرفة العمليات ومعه الممرضة فقال لها الأب: «ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟»، قالت له وبألم: «لقد توفي ابن الدكتور سعيد يوم أمس إثر حادثة، وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فوراً، لأنه ليس لدينا جراح غيره، وها هو قد ذهب مسرعاً لدفن ابنه، وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك!!».
إن ما تصوره والد الولد الذي أجريت له العملية، هو في تصوري من الأمراض التي تحتاج إلى علاج نفسي، وإلى مراجعة دقيقة للأخلاق، والعودة إلى طفولتنا البريئة التي تعلمنا منها الكثير، ولكن نسينا ما علمتنا إياه الفطرة السليمة، هل نتعظ ولا نصدر الأحكام، حتى ولو كنا نعيش في أزمة وخوف وقلق، ونبعد عنا سوء الظن، أرجو أن نكون كذلك.