أجزم بأن غالبية البحرينيين ومن قرأ صحافتنا أمس لفت انتباهه خبر «التيس المعتقــــل» الــذي مـازال لا يعرف مصيره وهو قابع في المنطقة الجمركية المتوسط مساري جسر الملك فهد منذ 25 يونيو الماضي، أي منذ تسعة شهور!
وكأنــــه الفيلم الشهير لدريــــد لحــام «علــى الحدود» الذي تضيع أوراقـــه الثبوتية وجواز سفره على حدود دولتي «غربستان» و«شرقستان» فلا استطـاع العودة للبلد القادم منه ولا دخول البلد الآخر.
بيد أن الغريب في المسألة، تفاصيل الخبر الذي نشرته الزميلة «أخبار الخليج»، فهذا «التيس» الذي تحول لأول «معتقل» على الحدود وفي تاريخ جسر الملك فهد منذ إنشائه فشل محامي صاحبه في «فك حبسه» رغم وجود حكم لصالح صاحبه، لكن الشؤون البيطرية كان لها رأي آخر حسبما أشار المعنيون بالجمارك بحيث يتوجب الانتهاء من الشروط.
وعليــه مازال «التيس المعتقل» يرابط علـــى الجسر لتسعة شهور، وتحول من تيس صغير إلى تيس كبير بسبب عطف أحد موظفي الجمارك الذي لعب دور «حقوق الإنسان» عفواً «حقوق الحيوان» بجلب الطعام له و«توصية» الزملاء خلال إجازته بتوفير المأكل والمشرب له.
وحتى الإفراج عن «التيس»، فإن الحادثة الطريفة دفعت الناس للتندر والقول بأنه «يا ما في الحبس تيوس»، لكن أجمل التعليقات التي وصلتني حينما نشرت الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي رد من صديق عزيز يقول لي فيه: «حتى التيوس ما سلموا من تأخير القضايا في المحاكم»!
التعليق ذكرني على الفور بكثير من القضايا التي مازالت متعطلة في إصدار أحكامها النهائية، وبعض القضايا التي يتم البت فيها بكل هدوء وبطء، وهي مسألة قلناها وكتبناها كثيراً، إذ خاصة مع القضايا الماسة بالأمن الوطني والمجرم عليها في الدستور والقوانين لماذا تكون إجراءات التقاضي بهذا البطء؟! أتذكر ما فعلته الحكومة البريطانية خلال أحداث لندن وإلزامها المحاكم بالنظر في القضايا على مدار الساعة، أي حتى بعد منتصف الليل والفجر وكل وقت في اليوم هناك جلسات تنظر، فقط أقارن وأتعجب، كيف لإمبراطورية الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تحرص بهذه الصورة على التسريع في إجراءات التقاضي وإصدار الأحكام طالما أنها متعلقة بالأمن الوطني وسلامة المجتمع.
عموماً، التعليق أيضاً ذكرني بالحادثة الشهيرة المعنية بحبات «الكنار» الثلاث والآسيوي الذي حكم عليه بالحبس، رغم أن هناك تبايناً شاسعاً بشأن تطبيق القانون في الحالتين، لكن لا مانع من التذكير.
حادثة «الكنار الشهيرة» حصلت في بداية شهر فبراير من العام الماضي 2013، وفيها حكمت المحكمة على آسيوي بدفع غرامة وقيمتها دينار واحد بعد أن تم حبسه 20 يوماً على ذمة قضية اتهم فيها بـ«الشروع» في سرقة ثلاث حبات (نكرر.. نكرر.. ثلاث حبات) من فاكهة الكنار سقطت من شجرة في مزرعة بباربار. وبحسب الخبر فإن المزرعة «لا يحدها سور»، وإن الحبات الثلاث كانت على الأرض وإن الآسيوي المتهم لم يستلم راتبه عن عمله كصياد لمدة 25 يوماً وكان في حالة جوع.
عموماً الحكم في القضية صدر لأن صاحب المزرعة لم يتنازل (نكرر.. نكرر.. لم يتنازل) عن حقه وطالب بتطبيق القانون، رغم أن أي محامٍ شاطر كان يمكنه أن يخرج المتهم ببراءة باعتبار أن المزرعة لا يحدها سور وأن حبات الكنار كانت على الأرض.
اتركوا عنكم سجالات سراق ملايين لا يحاسبون وسارق كنارات ثلاث يطبق عليه القانون، إذ الصدمة هنا، وهي ما أثار حفيظة الناس وعبروا عنها بردود فعل عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بأن هذه الحادثة يصدر فيها حكم سريع، ويحبس فيها المتهم على ذمة التحقيق، ويصر صاحب الحق على أخذ حقه وعدم التنازل عن تطبيق القانون، في وقت ينتظر فيه الناس ومازالت شهوراً طويلة لإصدار أحكام بحق جرائم استهدفت «سرقة بلد بأكمله»، وفي وقت ترى فيه الناس أن ممارسي التحريض والتخريب والإرهاب دون رادع أو أقلها مساءلة وفق القانون.. طليقين يسرحون ويمرحون!
بين قضية «التيس المعتقل» وسارق الكنارات الثلاث نقف مشدوهين. الآسيوي الجائع آكل الكنار حكم عليه بسرعة وأطلق سراحه، لكن «التيس» مازال معتقلاً ولتسعة شهور وهناك محامٍ ومحكمة واستئناف ولجان!
شكله التيس بيصير جمل من «الأكل والمرعى وقلة الصنعة»!