مواصلة لحديث الأمس عن الفوضى التي حصلت بشأن تطبيق «الدروب بوكس» حينما أعلن عن انضمام وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس (مؤيدة التنصت على الناس) إلى مجلس إدارة الشركة، وكيف أن الحديث عن «الجاسوسية الحديثة» وتطويعها وسائل التواصل الاجتماعي لتكون «العميل السري» الجديد أو بالأحرى «جيمس بوند» المليونية الجديدة، هذا الحديث يدفع بكثير من الناس للصد عنه ومحاولة غلق الآذان عنه، لأنه يشككهم في كل شيء.
«أنتم تضخمون الأمور»، «إنها حالة رهاب إلكترونية»، إلى غيرها من ردود الفعل لدى الناس، إذ كثيرون أوصلتهم درجة انغماسهم في العالم الإلكتروني «الافتراضـي» والبرمجيـــات الحديثــــة والأجهزة الرقمية «الكلاودية» المتطورة إلى حالة من «الهستيريا» القسرية إن انقطعت عنهم موجات الإرسال أو حتى ضعفت.
هناك من كان يتحسس من أمور يعتبرها خصوصيات وأمور عائلية وشخصية، لا أحد يدخل منزله، لا أحد يقترب من عائلته، لا أحد من الخارج يتعرف على أصدقائه، أو يقف على هواياته، أو يعرف تصرفاته وهو على طبيعته لا من خلف مكتب عمل أو «بشت» أو «بدلة» رسمية، لكن اليوم تستغرب، إذ هؤلاء أنفسهم هم من يقدمون كل ذلك دون أن يطلب منهم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والتي هي أصلاً تتجاوز بمراحل الخصوصية التي كان يحرصون عليها في الوضع الأول.
بالتالي، ما الإشكالية هنا؟! هل الناس مخطئون؟! هل يتم استغفالهم؟! أم أن شركات التقنيات والمطورين هم أذكياء لدرجة أنهم اقتحموا حتى «تابو» الخصوصيات لدى الكثيرين؟!
هناك موجات تأثير في المجتمعات الحديثة التي تواكب التطورات على مختلف أصعدتها، سواء تطورات اجتماعية مهنية اقتصادية أو تطورات تكنولوجية، والأخيرة ما أكثرها، ووصلت لمرحلة تجعل المدمنين على التكنولوجيا يستعيضون -وبكل سهولة- عن دوائرهم الاجتماعية وعلاقاتهم، عن أوقاتهم التي يمارسون فيها نشاطاتهم وهواياتهم، حتى عن أوقات النوم والطعام وغيرها. العملية أصبحت مثل «الفايروس» و«الهوس»، والذي من خلاله تتم زيادة المبيعات وتحقيق الأرباح، وأيضاً -وهنا الجميل بالنسبة لمن يعنيه الأمر- من خلاله يتم جمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات والدخول إلى تفاصيل حياة البشر.
اليوم في الولايات المتحدة تطلق شركة محرك البحث الشهير «غوغل» نظــارتها الذكية «غوغل غلاس»، وستعرض للبيع لمدة 24 ساعة بسعر 1500 دولار معفية من الضرائب.
هذه النظارة تتيح لمستخدمها، بالأصح تتيـــح لـ«لابسهــا» القـيام باتصالاتــــه الهاتفية، دخول الشبكة العنكبوتية، وطبعاً الأهم التقاط الصور والفيديوهات، وتعمل بتطبيــق على «الأندرويد»، وقد تم تطوير هذه النظارة التي طرحت للمرة الأولى عام 2012 على نطاق ضيق (8000 شخص حينها) في مختبرات سرية جداً للشركة، هذه المختبرات توصف من قبل شركة «غوغل» نفسها بأنها مختبرات تضم أكثر الأفكار التقنية «جموحاً»! وضعوا على كلمة «جموحاً» ألف خط أحمر!
الفكرة هنا ليست بإرعاب الناس، أبداً على الإطلاق، لكن المنطق، وتحديداً المنطق التكنولوجي يقول اليوم بأنه من السهل الوصول لأي شخص من خلال التكنولوجيا، لا صناديق سوداء، ولا اجتماعات مغلقة، ولا اتصالات سرية، ولا رسائل «هاي كلاسيفايد»، لا شيء يمكن أن يكون مخفياً بإحكام، حتى الشخصيات المزورة في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن كشفها في «فركة أصبع».
الفكرة هنا بأن الناس هم من يصنعون هذا الهوس، هم من باندفاعهم لاختبار كل جديد وغريب يفتحون من تلقاء أنفسهم أبواباً كان من الاستحالة أن يفتحوها سابقاً، بل لربما كانوا أشد المعارضين لها. بالتالي هي «التكنولوجيا» ولا شيء آخر، لكنها أيضاً في جانب آخر أمضى سلاح للوصول إلى أي شيء.
عموماً، «غــوغل غلاس» صرعـة جديــدة تضاف لصرعات التكنولوجيا الحديثة، والمثير في الموضوع الآن هو متعة متابعة استخدامات هذه التقنية وفقاً للمجتمعات العربيـة والغربية، فهنـاك في الغــرب يتحدثون مثلاً في جامعة «نيوكاسل» عن إمكانية الاستفادة من النظارة الذكية مع الذين يعانون من أمراض اضطراب النظام الحركي مثل مرضي «العته» و«الباركنسون» وبالفعل تمت الاستعانة بالنظــرات وتطبيقهــا على المرضــى والاستعانة بها في تذكيرهم ببعض السلوكيات.
حتى في مجال الرياضة، فليلة أمس الأول شوهد خيرمان بوجوس مساعد (دييغو سيميوني) مدرب فريق أتلتيكو مدريد الإسباني (متصدر الليغا حالياً) في مباراة فريقه وخيتافي وهو يرتدي نظارة «غوغل»! نظارة بوجوس وضع فيها تطبيق إحصائي يدخل للمرة الأول عالم كرة القدم، يخول المدرب الحصول على إحصائيات لاعبيه بشكل مباشر بالإضافة لقاعدة بيانات كاملة عن الخصم، وهي ما يتم تحديثه كل 30 ثانية، والميزة هنا بأنه يرى كل هذه المعلومات والبيانات بينما عيناه لا تفارقان أرضية الملعب وهو يتابع أداء لاعبيه.
السؤال هنا: هل ستستخدم النظارة لأغراض أخرى، ونتحدث هنا عن انتهاك خصوصيات الناس وجمع المعلومات عنهم؟! والإجابة بالتأكيد نعم، لكن ما يجعل المتابعة أكثر إمتاعاً للمراقبين وتحديداً في عالمنا العربي، هو معرفة في ماذا سيستخدم الغرب هذه التكنولوجيا (كالأمثلة أعلاه في الطب والرياضة)، وفي ماذا ستستخدم مجتمعاتنا العربية (المشهورة بتفردها في إدهاش العالم) هذه التكنولوجيا؟!
فقط راقبوا دون الحاجة لوضع «غوغل غلاس» على عيونكم، فالمشهد سيكون أوضح بألف مرة، فلدينا حتى استخدام التكنولوجيا «غير»!
«أنتم تضخمون الأمور»، «إنها حالة رهاب إلكترونية»، إلى غيرها من ردود الفعل لدى الناس، إذ كثيرون أوصلتهم درجة انغماسهم في العالم الإلكتروني «الافتراضـي» والبرمجيـــات الحديثــــة والأجهزة الرقمية «الكلاودية» المتطورة إلى حالة من «الهستيريا» القسرية إن انقطعت عنهم موجات الإرسال أو حتى ضعفت.
هناك من كان يتحسس من أمور يعتبرها خصوصيات وأمور عائلية وشخصية، لا أحد يدخل منزله، لا أحد يقترب من عائلته، لا أحد من الخارج يتعرف على أصدقائه، أو يقف على هواياته، أو يعرف تصرفاته وهو على طبيعته لا من خلف مكتب عمل أو «بشت» أو «بدلة» رسمية، لكن اليوم تستغرب، إذ هؤلاء أنفسهم هم من يقدمون كل ذلك دون أن يطلب منهم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والتي هي أصلاً تتجاوز بمراحل الخصوصية التي كان يحرصون عليها في الوضع الأول.
بالتالي، ما الإشكالية هنا؟! هل الناس مخطئون؟! هل يتم استغفالهم؟! أم أن شركات التقنيات والمطورين هم أذكياء لدرجة أنهم اقتحموا حتى «تابو» الخصوصيات لدى الكثيرين؟!
هناك موجات تأثير في المجتمعات الحديثة التي تواكب التطورات على مختلف أصعدتها، سواء تطورات اجتماعية مهنية اقتصادية أو تطورات تكنولوجية، والأخيرة ما أكثرها، ووصلت لمرحلة تجعل المدمنين على التكنولوجيا يستعيضون -وبكل سهولة- عن دوائرهم الاجتماعية وعلاقاتهم، عن أوقاتهم التي يمارسون فيها نشاطاتهم وهواياتهم، حتى عن أوقات النوم والطعام وغيرها. العملية أصبحت مثل «الفايروس» و«الهوس»، والذي من خلاله تتم زيادة المبيعات وتحقيق الأرباح، وأيضاً -وهنا الجميل بالنسبة لمن يعنيه الأمر- من خلاله يتم جمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات والدخول إلى تفاصيل حياة البشر.
اليوم في الولايات المتحدة تطلق شركة محرك البحث الشهير «غوغل» نظــارتها الذكية «غوغل غلاس»، وستعرض للبيع لمدة 24 ساعة بسعر 1500 دولار معفية من الضرائب.
هذه النظارة تتيح لمستخدمها، بالأصح تتيـــح لـ«لابسهــا» القـيام باتصالاتــــه الهاتفية، دخول الشبكة العنكبوتية، وطبعاً الأهم التقاط الصور والفيديوهات، وتعمل بتطبيــق على «الأندرويد»، وقد تم تطوير هذه النظارة التي طرحت للمرة الأولى عام 2012 على نطاق ضيق (8000 شخص حينها) في مختبرات سرية جداً للشركة، هذه المختبرات توصف من قبل شركة «غوغل» نفسها بأنها مختبرات تضم أكثر الأفكار التقنية «جموحاً»! وضعوا على كلمة «جموحاً» ألف خط أحمر!
الفكرة هنا ليست بإرعاب الناس، أبداً على الإطلاق، لكن المنطق، وتحديداً المنطق التكنولوجي يقول اليوم بأنه من السهل الوصول لأي شخص من خلال التكنولوجيا، لا صناديق سوداء، ولا اجتماعات مغلقة، ولا اتصالات سرية، ولا رسائل «هاي كلاسيفايد»، لا شيء يمكن أن يكون مخفياً بإحكام، حتى الشخصيات المزورة في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن كشفها في «فركة أصبع».
الفكرة هنا بأن الناس هم من يصنعون هذا الهوس، هم من باندفاعهم لاختبار كل جديد وغريب يفتحون من تلقاء أنفسهم أبواباً كان من الاستحالة أن يفتحوها سابقاً، بل لربما كانوا أشد المعارضين لها. بالتالي هي «التكنولوجيا» ولا شيء آخر، لكنها أيضاً في جانب آخر أمضى سلاح للوصول إلى أي شيء.
عموماً، «غــوغل غلاس» صرعـة جديــدة تضاف لصرعات التكنولوجيا الحديثة، والمثير في الموضوع الآن هو متعة متابعة استخدامات هذه التقنية وفقاً للمجتمعات العربيـة والغربية، فهنـاك في الغــرب يتحدثون مثلاً في جامعة «نيوكاسل» عن إمكانية الاستفادة من النظارة الذكية مع الذين يعانون من أمراض اضطراب النظام الحركي مثل مرضي «العته» و«الباركنسون» وبالفعل تمت الاستعانة بالنظــرات وتطبيقهــا على المرضــى والاستعانة بها في تذكيرهم ببعض السلوكيات.
حتى في مجال الرياضة، فليلة أمس الأول شوهد خيرمان بوجوس مساعد (دييغو سيميوني) مدرب فريق أتلتيكو مدريد الإسباني (متصدر الليغا حالياً) في مباراة فريقه وخيتافي وهو يرتدي نظارة «غوغل»! نظارة بوجوس وضع فيها تطبيق إحصائي يدخل للمرة الأول عالم كرة القدم، يخول المدرب الحصول على إحصائيات لاعبيه بشكل مباشر بالإضافة لقاعدة بيانات كاملة عن الخصم، وهي ما يتم تحديثه كل 30 ثانية، والميزة هنا بأنه يرى كل هذه المعلومات والبيانات بينما عيناه لا تفارقان أرضية الملعب وهو يتابع أداء لاعبيه.
السؤال هنا: هل ستستخدم النظارة لأغراض أخرى، ونتحدث هنا عن انتهاك خصوصيات الناس وجمع المعلومات عنهم؟! والإجابة بالتأكيد نعم، لكن ما يجعل المتابعة أكثر إمتاعاً للمراقبين وتحديداً في عالمنا العربي، هو معرفة في ماذا سيستخدم الغرب هذه التكنولوجيا (كالأمثلة أعلاه في الطب والرياضة)، وفي ماذا ستستخدم مجتمعاتنا العربية (المشهورة بتفردها في إدهاش العالم) هذه التكنولوجيا؟!
فقط راقبوا دون الحاجة لوضع «غوغل غلاس» على عيونكم، فالمشهد سيكون أوضح بألف مرة، فلدينا حتى استخدام التكنولوجيا «غير»!